(كلام عابر) مائة عام من الوهم ولا تنتهي حكايات المهندس الداعية الصافي جعفر ، عراب مشروع سندس،وهو المشروع الذي يعد أكبر أفيالنا البيضاء وأكثرها شهرة. السيد الصافي جعفر رجل يرفض النسيان ويتشبث بذاكرة الناس وحياتهم حتى بعد أن قال أنه ما عاد قيما على مشروع سندس ومتحكما في أمره. في آخر حواراته الصحفية تطرق سيادته ،ضمن عدة محاور، للتدافع والمناصحة وتاريخه العريق في الحركة الاسلامية وأيام (ما كان عنده حق الخروف) وبيته المشيد بسقف ليبي ومونة وطين ، ولم يفت عليه ولا على محاوره تناول مشروع سندس ، فقال ان سندس كان نصيبه من (الجهاد) و(الاستشهاد) في عهد الإنقاذ وأنه بدأ العمل في المشروع بلا امكانات ، في ظل (الاستهداف الداخلي والخارجي) وقال "تأرجحنا مرات في العمل واستأنفناه بعد البترول" ، "وثبتنا الحقيقية تمت بمساعدة الصينيين" ثم لخص سيادته مشروع سندس في كلمات " رأيي أن سندس مشروع صبر ومصابرة، وأنا لم أفارقه إلا بعد أن تدفق الماء وزرعنا أربعة مواسم شهدها النائب الأول للرئيس" ولم يفت عليه التعريض بالمغتربين (الحلقة الأضعف) الذين أهدرت أموالهم في سندس "صوت المغتربين كان عاليا رغم أن مشترياتهم في المشروع لم تتجاوز نسبة عشرة بالمائة ، وهذا شأن الانسان الذي يبحث عن عورات الاخرين". مغترب من ضحايا سندس وهو الأستاذ بدرالدين على جبر الدار، قال في رسالته لي " هذا المشروع قام بافتتاحه نصف قادة الانقاذ ، كل بيومه واحتفاله وكل واحد منهم يقول اليوم أوفت الحكومة ما وعدت حتى ازدادت حيرتنا فما غدونا نعرف الشيء الذي وعدت به الحكومة. هذا المشروع عنوان فشل لثلاث ولايات.. ولاية الخرطوم وولاية النيل الأبيض وولاية الجزيرة وهو قد هزم ثلاث حكومات بالضربة القاضية فعجزت عن تشغيله أو إدارته بصورة فاعلة، والفاعلية التي نقصدها هي الانتاج.أليس من حقنا وحق الذين دفعوا فيه الغالي والنفيس أن يخرج رئيس مجلس الادارة ليخبرهم عن مآل هذا المشروع أو إلى متى؟" "إلى متى" هذه يجيب عليها السيد الصافي جعفر في ذات اللقاء الصحفي فيقول، وهو رجل لا تنقصه بلاغة التعبير وحلاوة الكلمات، إن سندس "شغل مائة عام لقدام"، مثلما قال قبل عدة سنوات عن سندس إنه مشروع "ادخرته الأقدار" للسودان. ربما يعني أن الأقدار قد ادخرت سندس ليعوض البلاد عن الإيرادات البترولية التي فقدتها بعد انفصال الجنوب وأنه سيظل ينتج وينتج ويتوسع ويتوسع لمائة عام قادمة رغم كل ما التصق به من فشل وفقر في الانتاج. الخيال الجامح ذهب بالرجل هذه المرة ليراهن على سنوات عمره وسنوات أعمار أجيال بعيدة قادمة،(شغل مائة عام لقدام) . ولم ينس المهندس الصافي في ذات اللقاء الصحفي أن يزكي نفسه "شوف أنا مستعد للتقييم والمحاكمة في أي وقت.. ويكفي أنني طيلة التسعة عشر عاما التي قضيتها في سندس ساكن في بيتي الخاص.. وبيتي هذا بنيته قبل مجيء الانقاذ. ,انا لا أبيع تاريخي عشان الدنيا الفارغة" وغني عن القول أن هذا "كلام مجاني" مأمون العواقب ، فمشروع سندس لم يخضع في يوم من الأيام للمراجعة المستقلة المتخصصة التي تقوم على سجلات وبيانات مالية صحيحة ومكتملة بغرض الوصول إلى الحقيقة وليس تبرئة أو تجريم شخص بعينه، و لا يبدو أن مثل هذه المراجعة المستقلة المتخصصة ستتم في أيامنا هذه، لكن المؤكد أن مشروع سندس لم تسبقه دراسة جدوى اقتصادية وفنية حقيقية ، فلو أجريت مثل هذه الدراسة لما قام المشروع اصلا ، هذا فضلا عن أن كل الدراسات والتقارير السابقة ، وبعضها أعد قبل الاستقلال ، عن منطقة سندس كانت نتائجها أن اتجه مشروع الجزيرة للتوسع جنوبا في المناقل. أما السؤال الذي يتجاوزه المهندس الداعية في كل مرة فهو: هل هناك من بصيص أمل لرد رؤوس أموال المغتربين التي دفعوها لإدارة مشروع سندس أم أنها أمنية عزيزة لن تتحقق إلا في أيام قادمة، جميلة بإذن الله، ربما بعد مائة عام، يعيشها أبناء أحفاد المساهمين من المغتربين وغير المغتربين، يطرح فيها هذا السندس تبرا يسر الناظرين؟ قبل الختام: دنيا لا يملكها من يملكها أغنى أهليها سادتها الفقراء الخاسر من لم يأخذ منها ما تعطيه على استحياء والغافل من ظنّ الأشياء هي الأشياء! (الفيتوري) (عبدالله علقم) [email protected]