كل عام وأنتم بخير. ظروف قاهرة بعدتني عن المتابعة اللصيقة للأخبار و الكتابة. أسأل الله أن يفرج الكرب عن المكروبين ويشفي جميع المرضى ويعطي كل المحتاجين ويرفع كل بلاء عظيم عن العباد والبلاد. إذا عَرفتَ أن امرأة حُبلى، لديها ثمانية أطفالٍ: ثلاثة منهم يعانون من الصمم، إثنان منهم فاقدو البصر، أحدهم متخلّف عقليا، وكانت المرأة تعانى من مرض الزُهرى، هل توصى لها بالإجهاض؟. إجابتك التي تظنها منطقية جدا فمن المؤكد أنك ستنصحها بالإجهاض. و لكن بهذه الإجابة فإنك ستكون قتلتَ بيتهوفن!. هذه فعلا كانت قصة العبقري بيتهوفن. فلم تجهضه أمه. فهل رأيت نتيجة منطقك. لقد حان الوقت لإنتخاب زعيم عالمى جديد، وصوتُك أنت سيرجح إختيار المرشح، ولديك ثلاثة مرشحين هذه صفاتهم: - الأول: يخالط سياسيين منحرفين، ويَستشيرُ العرَّافات والمنجِّمين.. لديه عشيقتان..يدخن بشراهة ويَشْربُ من 8 إلى 10 كؤوس مارتينى فى اليوم. -الثانى: طُرِدَ مِن الوظيفة مرّتين، يَنَامُ حتى الظُّهرِ.. تناول المخدرات وهو طالب بالجامعة.. يتناول ربع زجاجة مِنْ الويسكى كُلَّ مَسَاءٍ. -الثالث: كان بطلَ حرب ونال عدة أوسمة.. نباتى.. لا يُدخّنُ.. قليلا ما يَشْربُ الخمر.. ولم يخُن يومًا زوجتَه. فمن هؤلاء المرشَّحين ستختار؟. طبعا الأول شخص يبدو فاسقا تماما والثانى يبدو كسولا وغبيًّا، أما الثالث فيبدو كأنه رجل مثالى. طبعا الاختيار واضح للثالث. الإجابة مفاجأة جدا، فالمرشح الأول كان هو الرئيس الأمريكى فرانكلين روزفلت، أما المرشّح الثانى فهو الزعيم البريطانى ونستون تَشِرشِل، أما المرشح الذي ظننته هو النموذجى هو الزعيم الألمانى أدولف هتلر!!. والمنطق يقول إذا حدث عدوان على الوطن يجب أن يتكاتف الجميع حكومة ومعارضة على أي عدوان خارجي. ولكن تريث وفكر معي بروية، من المتأذي ومن المستفيد من مثل هذه الأحداث: كإحتلال هجليج وضربة مصنع اليرموك؟. أقولها لك مباشرة، المتأذي هو الشعب والوطن والمستفيد هو الطغمة الحاكمة. فقد تأذى المواطنون مثلا بالخسارات في الأرواح وفوق ذلك جرح كرامتهم الوطنية التي تنزف أصلا. أما بالنسبة للطغمة فالنفع لها أكبر من الأذى. فيمكن تكون قد تأذت من أنها ستفقد مصدر من مصادر السلاح والذخيرة التي توجهها لصدور المواطنين. أما نفعها فهو إستغفال هذا الحدث أحزاب المعارضة حولها ببيانات الشجب والإدانة وبعض الجماهير بإلتفافهم حولها، و بذلك ضمنت مواصلة تزييف الوعي وغياب الإدراك وعدم التوافق على عداءها على الأقل في هذا الظرف. والمحصلة هي الركون وإمتداد عمر نظامهم المتهالك وحدوث تدليس ولبس وبلبلة في المعاني الثابتة والسامية كالوطن وسيادته والوطنية. والمحزن هنا رمي الناس جزافا وإتهامهم بالخيانة وعدم الوطنية. فإذا حدث إرتباك للمعارضين بأن الطغمة هي العدو الأول للوطن وخلل في هذه المفاهيم وطعن من هنا وهناك للبعض فكيف لنا الإتفاق أساسا في إزالة هذا الكابوس. فلذا يجب علينا التريث والتحري والتدقيق خصوصا في هذا العصر الذي إختلط فيه الكاذب بالصادق، والفاسد بالسليم، والضار بالنافع، وأصبح تمييز الصالح يحتاج لحنكة والوصول للحقيقة يحتاج لحكمة. وعلينا أن نسأل أنفسنا أولا: من هو الذي إنتهك سيادة الوطن والشعب وجاء قسرا وصنع دولة الحزب ومكث في صدر الشعب تنكيلا وتعذيبا وتقتيلا وعاث فسادا وصنع كل هذه الدغمسة!. إن لم يكن جرس في العنق فلابد أن تكون حلقة في الأذن. هذه الطغمة تتقن فن المزايدة بالدين والوطن و تتسلح بمنطقي الأستقواء والإستعلاء. فهي تعتبر كل ما يخدم مصالحها هو مطلب وطني، وكل ما لا يتطابق مع توجهاتها وطموحاتها هو إساءة للوطن. ففى الامن والسلم يتسلوا باحتقار ذات الشعب وأنهم هم الأجدر بقيادته ويلعنون سنسفيل من يعارضهم. وفى الحرب والعدوان يتمطوا بالتهكم فى وطنية من يخالفهم الرأى ويتوعدونه بأشد العذاب وبئس المصير. قد قلناها مرارا من قبل، فقضية الوطن يا سادتى ليست شعارا نرفعه فى دقائق معدودة ثم نستدير له ظهرنا أو نلقيه أرضا بعدها. قضية الوطن ليست للغناء أو الرقص لمدة خمس دقائق فقط. فالوطنية سلوك يعايش فى الحياة اليومية والتزام مدى العمر بفخر التراث وعز وكرامة الإنتماء للتراب وفوق كل ذلك الإستعداد للتضحية من أجله وفى سبيله فى أى وقت وفى أى مكان وبكل شئ وبدون معرفة الثمن. فهل قدمت هذه الطغمة ذرة تضحية في سبيل هذا الوطن؟. للأشياء غالبا عدة أوجه و أحيانا لا تخضع لأن تحكم عليها من خلال منطقك أو فهم عموم الناس. وهناك أيضا ماثلة وشاخصة خصوصا الحقائق الواضحة والمسلمات الثابتة والتي أثبتتها التجربة: كوطنية الكيزان وحرص الطغمة الحاكمة على كرامة السودان.