بدعة عند بعض العباقرة صارت قاعدة.. ما أن تقصف إسرائيل هدفاً بالسودان، إلا وينهض هذا البعض مطالباً الحكومة : (عايزين رادار)..وكأن توفر الرادار يمنع القصف الإسرائيلي، أوعدم توفره هو الذي يتسبب في القصف..قُصفت بعض الشاحنات بشرق السودان، وكان يجب سؤال الحكومة عن سر تلك الشاحنات ومحتواها وجدواها لأهل السودان وأسباب قصفها، بدلاً عن هتاف (عايزين رادار)..ثم قُصفت بعض تجار السلاح ببوتسودان وهم في سياراتهم، وكان يجب سؤال الحكومة عن أسباب تقصيرها في منع هذه التجارة غير المشروعة، والتي تُعرض - بين الحين والآخر - حياة الناس و المسماة بسيادة البلد للمخاطر والإختراق، ولكن هذا البعض غض الطرف عن هذا السؤال المهم، وشرع يهتف : (عايزين رادار)..وهكذا حالهم أيضاً منذ قصف مصنع يرموك، إذ أسباب القصف لم - وربما لن -تشغل أذهانهم، بل شرعواف في هتاف : (عايزين رادار)..!! ** على سبيل المثال، صلاح كرار، أحد المنفذين سابقاً والمنبوذين حالياً، يحلل قضية يرموك بمنتهى البساطة قائلاً : ( منظومة الدفاع الجوى بالسودان متخلفة وتعود إلى العقد السابع من القرن الماضي، ويجب الإتجاه إلى روسيا لتزويدنا بنظام دفاع جوي يصعب على إسرائيل تعطيله أو تشويشه)..هكذا ملخص دروس القضية حسب رؤية صلاح كرار، أي التسليح - لحد التكافؤ مع قوة إسرئيل العسكرية - هو الحل..حسناً، فلنتفق مؤقتاً مع رؤيته تلك، ونسأل : ( لماذا التسليح؟)..أي فنقل باعت الحكومة البلد - بمن فيها وما فيها - وجلبت كل أنواع أسلحة الدفاع وأحدثها من كل فج عميق، ولكن (لماذا ؟، ولمن؟).. بالتأكيد - حسب منطقهم هذه الأيام - ليس لإستعادة حلايب ولا للدفاع عن الفشقة، بل لمقاومة أي قصف الإسرائيلي مرتقب..!! ** حسناً، فلنتفق أيضاً مؤقتاً، ونقول : فليكن تسليحاً شاملاً للدفاع عن أي قصف إسرائيلي مرتقب، فلنسأل بمنتهى الهدوء و الوضوح : لماذا تقصفنا - نحن بالذات - إسرائيل؟..يعني بالبلدي كدة : لماذا لم - ولا - تقصف أيا من دول القرن الأفريقي، أو الملقبات بالشقيقات والصديقات؟..هل تخشاها إسرائيل لأن تلك دول تمتلك الرادارات الحديثة، مثلاً؟..أم تهابها لأنها تمتلك أقوى أسلحة الدفاع في العالم؟.. بالتأكيد (لا)، إذ بجوارنا دول لا تمتلك مجرد دبابات حديثة، ناهيك عن رادرات حديثة أو غير حديثة..بل بجوار إسرائيل ذاتها دول لاتمتلك من العدة والعتاد ربع ما تمتلكها كتيبة بالجيش الإسرائيلي.. أها، لماذا لا - و لم – تقصف إسرائيل تلك الدول ؟.. بالتأكيد هناك أسباب ووسائل- غير عسكرية - تحول بين إسرائيل وكل الدول الأفروعربية، بحيث لاتستهدف بالقصف بعض أفراد تلك الدول أوكما حدث بشرق السودان، ولا بعض مصانعها أو كما حدث لليرموك..!! ** نعم، هناك وسائل - غير عسكرية - تقي بها الأنظمة أوطانها وشعوبها من مثل هذا القصف غير المراد به إحتلال السودان .. وعليه، نسأل جماعة (عايزين رادار)، سؤالاً صريحا : هل الأفضل حث الحكومة على توفير تلك الوسائل غير العسكرية في سياساتها وعلاقاتها الخارجية بحيث نبعد بها الناس والبلد عن مرمى النيران الإسرائيلية، أم تشجيعها على توفير أسلحة الدفاع الحديثة، خصماً من فواتير الغذاء والكساء والدواء ؟.. بوضوح : لماذا نتسلح ونقاتل لإيران وحماس وحزب الله؟، ولماذا يكون شعبنا درعاً بشرياً لأجندة إيران وحزب الله وحماس؟، ولماذا نهدر موارد بلادنا في أسلحة دفاع لنصد هجمات إسرائيل التي لاتستهدف شعبنا ولا تطمع في إحتلال بلادنا؟..فلنتواضع قليلاً أيها الأكارم بحيث نعرف حجمنا ومقدار قوتنا في هذا العالم، وليست من الحكمة - ولا العبقرية - أن تنتهج طرائق تفكير بعضنا ذات طرائق تفكير النهج الحاكم الذي لم تعلمه تجاربه ولاتجارب الآخرين بأن (الوقاية بالسياسة خير من العلاج بالرادار) ..!! [email protected]