ومدينة الأبيض ما أن تشم ريح قافلتك..وراء تلك الهضاب..حتى تفرد جناح الحب لتغطيك وتتنبأ بحضور عيالها الغائبين قسرا وقهرا..وتهتف لتشكو حالها بأسمالها الممزقة فوق الركبتين..وفوق الكتفين حين تبقى فقط شعرها يغطي ضهرها من الفضيحة..فيغالطها المقيمين قائلين..تفتئين في ضلالك القديم.. حب البلد..ينسحب فينا ويجعلنا نحب حتى ما نكره..يراودك إحساس انك تقترب من السماء..فيما تبتعد وتغور مباني المدينة والشوارع كم سم..وتنقب في دروب الذكريات..هنا كنت أقف لإدعاء المصادفة مع سرب عصافير بنات المدارس..هنا هربنا ونحن راجعين من السينما الدور التاني..في خور الحلب..هربنا من "قطاع الطرق" المسالمين..والذين حالما نهرب فقط يصرخون فينا فكهين.. وهنا عاش ذاك الصديق الذي يعزف الكمنجة ويتكلم الفرنسي كما ناس النورماندي..لابد أن عشقا عاش في هذا الشارع يوما..وزرع كل المساحات بخطواته الصغيرة بقدم عصافير البلوم..وهنا ..وهنا...وهكذا سجنت المدينة قلوبهم بالمحبة..الصبيان والصبايا..الشيوخ والكهول..وحتى المقابر تحتضنها المدينة في جوفها...إنهم رفاتنا أحبابنا..وهكذا لا حدود لعبقرية هذه المدينة وتفاصيلها.. للمصادفات..ولمن يرغب في الاستمتاع بموسم هجرة الفراشات من الشمال إلى الجنوب..أن يحضر نفسه في المدينة في شهر نوفمبر كل عام..ويراقب هذا البياض الطائر في رحلة العشق الأبدية تلك.. وفي الحلة يطول الليل..ويطول..والنجوم تحتشد في السماء..والذكريات الشارقة أيضا..فأتفرج على نجوم جديدة لا اعرف أسماءها مسبقا..وهكذا الليل في الحلة حياة تزغرد..وشلوبة ممسكا "برجل" العنقريب يقص علي أساطير البلد والحكاوي المجازفة..والتي سوف أقصها عليكم في غير مواعيد الزحام.. ديباجة الحديس: حبك مطر ينبت العشب على ضفاف حياة الجفاف تلك..