رحيله مؤلم مفجع بقدر ما كانت حياته رائعة و سيرته خالدة ونموذج نادر للفن و الغناء و العمل الوطني..ليس علي مستوانا المحلي فقط بل علي مستوي العالم ..فقد كانت حياته نموذجا نادرا ودليلا قاطعا وساطعا على ان للفنان رسالته وواجبه وقضيته...محمد وردي يترجل عن دنيانا ليعيش في الخالدين ...عاش فينا ...وعاش معنا و بيننا شاركنا أفراحنا وصنع الكثير منها ..محمد وردي لم يغب عن أسماع السودانيين و أفئدتهم وأسماعهم.ففي اللحظة التي اكتب فيها الالاف اداروا مؤشرات أجهزتهم ليسمعموا ابداعا من ابداعاته....هو الضيف الدائم في مناسباتهم الشعبية والرسمية...هو الحاضر دوما بين أفراد الأسرة يسمعون أنغامه ويرددونها ويهدونها فيما بينهم في الأعياد والمناسبات..عبر الأثير ..أو مكتوبة أو مهموسة...أغانيه أحاديث العشاق و زاد الابطال.ووقود الثورات..يهمس بها الحبيب لحبيبته فيزداد الحب بينهما و تزدهر المشاعر..أو يرددها الابطال و السياسيون فتقوى عزائمهم و يتناسوا خلافاتهم ..اليوم نرفع راية استقلالنا ..ويسطر التاريخ مولد شعبنا....يا اخوتي غنوا لنا .. من غير ميعاد ....و اللقيا أجمل في الحقيقة بلا انتظار..صحيتي في نفسي الوجود ورجعتي لعيوني النهار.... بدأ الاستاذ وردي حياته معلما مدرسا في مدارس بلادي المختلفة ..في صواردا مسقط راسه ..ثم أراد فضاءا أرحب ..فخرج إلي السودان و العالم عبر بوابة العاصمة الخرطوم التي أحبها....محترفا الفن ليتربع علي عرش الفن و الابداع طوال حياته ومسيرته الحافلة الناصعة...يذكر أن الاستاذ وردي منذ ان بدأ مسيرته وعطاءه ظل يرتفع ويرتقي في سلم المجد حتي جلس علي قمته ومكث ينادي في الناس ويحضهم ويحثهم من عليائه...للقيم وللحرية ....غني للفقراء ..غني للوطن غني للحرية..غني للثورة ...يا شعبا لهبت ثوريتك.....تلقى مرادك والفي نيتك..عمق احساسك في حريتك...ابقي ملامح في ذرتك... الكلمة التي تصله يكتب لها الخلود...والشاعر الذي يموسق أبياته وردي حتما في الخالدين...صاغنا وجدانا وقيما.معنى ووطن...تعلمنا منه الاخلاص للاوطان والنقاء مع الحبيبة ..والعيش للقضية ....كنت وأنا يافع ...مثلما هو الحال كذلك مع الملايين ..اسمع و استمتع باغانيه وموسيقاه..دون ان اعي كثيرا من المعاني غير الاخلاص و الجودة العالية للكلمات و الالحان التي لا تستطيع الا ان تشدك اليها...وتصيغ وجدانك وتجمعك حولها الى هدف.. كنت في غاية السعادة حينما اسمع اغنياته وتتسلل دونما استئذان الى خاطري موسيقاه العذبة الندية...في سيارة عامة او في دكان ..او من استيريو قوم يحتفلون او يحيون مناسبة كانت خاصة او عامة...ذاك هو وردي...أخلص لفنه ورسالته...ووضع المعيار لغيره في الفن الاصيل..الفن صاحب الرسالة والفنان الرائد بفنه ..الخادم لشعبه ..المخلص لوطنه.......وطنا وطنا..وطنا البي اسمك كتبنا ورطنا..احبك...أحبك ..حقيقة واحبك ..مجاز....كان اسمها ام درمان كان اسمها الثورة..وكان العرس عرس الشمال... وردي فنان شجاع ...عاش لفنه و لوطنه وخدم بفنه وطنه ومواطنيه...في كل مراحله ظل وفيا لقضيته..مهموما بها و قد كانت احب الاغاني اليه نور العين...وكان دائما يهديها للشعب السوداني لأنه يعتقد أن الشعب السوداني هو نور عينه...هكذا كان يقول ولطالما سمعته يقول ذلك في كل لقاءاته....والشعب السوداني أيضا قد وضع الاستاذ وردي في عينه وقلبه... الاستاذ وردي صاحب عزيمة لاتلين ابدا ولا تقهر ...رغم مرضه إلا انه لم يتوقف عن الوصول إلى جمهوره وجماهيره...يصلهم داخل وخارج الحدود ..يشاركهم مناسباتهم وافراحهم ويتقاسم معهم المشاعر...الاستاذ وردي من القلائل الذين تطلب اغانيهم الوطنية في الحفلات العامة و الخاصة ويصر عليها جمهور الحاضرين..ويطرب لها أيما طلب...لا لشئ إلا لأن وردي قد تكاملت فيه وتماهت كل المعاني الوطنية والثقافية والسياسية والعاطفية...ذلك لانه قد حول الغناء و الموسيقى الى رسالة عظيمة ..توحد ولا تفرق...تثقف ولا تجهل ..تنير وتنور وتبدد غياهب الظلام...وطن بالفيهو نساوي نحلم نقرا نداوي ..مساكن كهربا وموية تحتنا الظلمة تتهوي...وطن للسلم اجنحتو ..ضد الحرب اجنحتو.... محمد وردي هو المؤسسة الوطنية الثقافية التي تخرج فيها الملايين ....وما فعله ..لم يسبقه اليه أحد ...فهو النموذج الحي للسوداني الوطني الغيور الملتزم....الذي له في كل ضرب من ضروب الحياة سهم وافر....يشحذ همتك وانت في حقلك او في متجرك أو في مصنعك أو مدرستك...أو في سيارتك...يكسب معركته باوتاره المشدودة....وبصوته الشجي الطروب..وبحنجرته القوية ..والتي ظلت كذلك الى اخر لحظة...بطول النيل وعلو وطعم النخيل... رحلت عنا وما جيت ....رحلت وكل الارض بعدك منفي....وا أسفاي.....بعد المستحيل ايه.... اللهم ارحم وردي ..اللهم اغفر له ...عزاؤنا لاسرته ولشعبه فكل الشعب السو داني اسرته وخاصته ..كل فرد منا قد اقام سرادق العزاء في نفسه ويحتاج لمن يعزيه...فوردي واحد وقد مضى...