يعتبر التوافق والاجماع الوطني بشأن قضايا وشئون البلاد امراً بالغ الأهمية وضرورة لتحقيق الاستقرار السياسي ومن ثم تحقيق النهضة الشاملة ،كما يعنى التوافق إتاحة الفرصة للجميع للمشاركة في عملية صنع القرار وتنفيذه . واستجابة لضرورات هذه المرحلة المفصلية فى تاريخ السودان السياسي وقناعة منه فى إشراك الآخرين طرح حزب المؤتمر الوطني الحوار الوطني لتحقيق الإجماع الوطني والتوافق على القضايا الوطنية الكبيرة لتوفير الأجواء لسماع وجهات النظر المختلفة حيث لا يعنى التوافق المساومة أو أن يتخلى فريق عن امتياز او ما يعتقده حقا له مقابل تنازل الطرف الأخر عن شيء يعادله بل يعنى بناء وتطوير العلاقة بين مختلف الأطراف لتمكينهم من العمل سويا للتوصل إلى اتفاق مبنى على الرغبة في التعايش والالتزام به . ومثلما يصبح تحقيق التوافق الوطني بين الفرقاء ضرورة ملحة يظل الالتزام بالاستحقاق الدستوري بإجراء الانتخابات المقررة لها فى العام 2015 اشد إلحاحا لأنه التزام اخلاقى تجاه الشعب السوداني لممارسة حقه فى اختيار من يحكمه لفترة جديدة قادمة ولذلك تمضى الدولة فى اتجاهين في ترتيب أولويات العمل السياسي فى المرحلة القادمة ،الأول الترتيب للإيفاء بالاستحقاق الدستوري للإعداد للانتخابات القادمة والثاني فى جمع فرقاء الوطن على كلمة سواء تعزز الممارسة الديمقراطية القادمة وهو ليس أمرا صعب المنال اذا توفرت الارادة السياسية والتعامل بمصداقية فى التناول لقضايا الوطن، كما أثبتت التجربة في العديد من الدول اذ تحققت نتائج ايجابية فى بلاد تتباعد فيها وجهات النظر والمواقف ويختلف أبناؤها على المبادئ وليست التجربة الماليزية ببعيدة عنا حيث تاسست نتيجة لمبدأ الاجماع الوطنى مسائل تتعلق بالعدالة والمواطنة المتكافئة وحسمت تلك الامور بين مختلف الاثنيات والاديان المكونة للمجتمع بفعل التوافق فانجزت مشروعا وطنيا للتعايش بين القوميات . وكذا فعلت امم اخرى كالولايات المتحدةالامريكية وكندا ، كل هذه الشعوب مختلفة الأعراق والإثنيات. ان اسباب التوافق والوحدة الوطنية لدينا اكثر واوفر حظا لاننا ابناء لغة وثقافة وتراث واحد ،فقط نحتاج الى تفعيل قيمنا وعاداتنا السودانية الحميدة التى تجمع الامة على كلمة سواء لخدمة السودان الوطن . ويعد الحوار نوعا من انواع الاتصال الانسانى لتبادل الاراء والافكار ووجهات النظر لتحقيق الانسجام والتوافق حولها ، وعملية تفاعل فكرى حول قضية ومحاولة التوافق حولها وهو ليس لتبادل الاراء المتعلقة بهوى النفس والغايات الشخصية انما متعلق بغايات وطنية مخلصة . وتعد التعديلات في قانون الانتخابات التي وافق عليها مجلس الوزراء يوم الخميس 19 يونيو 2014 لتسهيل وتعزيز ممارسة تلك الأحزاب لحقها التشريعى ضرورية لتستوعب مخرجات تلك العملية الإنسانية والأخلاقية . وكالة السودان للانباء اجرت العديد من الاستطلاعات وسط القانونيين والاكاديميين فى مجال العلوم السياسية لمعرفة ضرورات تلك التعديلات مع ضرورة المضى فى طريق التوافق الوطنى ، والاستحقاق الانتخابي لان المسارين يخدم كل منهما الأخر. الاستاذ عبد الرحمن الفادنى الخبير السياسى والاعلامى ابان ان التعديلات فى قانون الانتخابات كانت ضرورية لاتاحة الفرصة لكل حزب سياسى للمشاركة بثقله الجماهيرى فى البرلمان لتفعيل الممارسة الديمقراطية للاحزاب والقطاعات الاخرى مثل المرأة التى ارتفعت نسبة مشاركتها من 25% الى 30% ، موضحا بان ما يجرى من حوار بين الإطراف السودانية يحتاج الى انفتاح فكرى وتسامى على المصالح الذاتية وتخلص من اى احكام مسبقة تجاه قضية الحوار ،فرؤية الانسان نسبية وليست مطلقة حيث الحقائق والواقع دائما ما تكون متعددة الجوانب والزوايا من حيث طبيعتها النسبية عادة ، لذا فان الحوار يقوم على اساس هذ ه النسبية ونجاحه يتم عندما تتكامل الرؤى ووجهات النظر و تتضامن فى اقترابها من الحقيقة داعيا الاحزاب السياسية الى تغليب مصالح الوطن والمواطن عن المصالح الذاتية او الحزبية الضيقة مبينا ان الديمقراطية هى حالة توافقية وليست بضاعة ايدلوجية مشيرا فى ذلك الى دعوة كل الاحزاب للمارسة الديمقراطية فى وقت تفتقد لتلك الممارسة داخل احزايها مؤكدا ان الديمقراطية تاتى من رحم التوافق بين الإطراف السياسية والقائمة على قبول الاخر الوطنى داخل اطار من الخيارات المقبولة من كافة القوى الوطنية مما يتطلب التراضى عبر التوافقات والاخذ والعطاء بمرونة فى القضايا الوطنية مما يجعل التوافق الوطنى ضرورة للخروج من حالة الانسداد السياسى الداخلى الى رحاب الممارسة السياسية الحقة لخدمة المصالح القومية . من جانبه اضاف الاستاذ سراج الدين عبد العزيز الخبير القانونى والسياسى ان التعديلات الاخيرة توسع فرص المشاركة للقوى السياسية موضحا ان عالم السياسة يتعلق اساسا بالمعطيات الموضوعية والتوازنات السياسية القائمة على ارض الواقع اكثر مما يتعلق بمظاهر الخوف والحب والكره للاخر ،داعيا السودانيين لتوحيد صفوفهم للعمل سويا فى تنمية ونهضة السودان الذى تاخر كثيرا عن ركب الدول الاخرى ، مؤكدا على ان اى تحول ديمقراطى لا يمكن انجازه الا عقب انجاز التوافق الوطنى والقضاء على حالة الاستقطاب الايدولوجى الحاد بين الأحزاب الوطنية المختلفة داعيا لضرورة الشروع فى بناء كتلة وطنية على قاعدة الديمقراطية تجمع كافة القوى الوطنية والسياسية . واوضح سيادته ان التعديلات الأخيرة فى قانون الانتخابات تتيح للأحزاب الصغيرة ان تتطلع دوما الى الأمام وتأمل بمستقبل أفضل من خلال الانتخابات القادمة وقد تكون إمكانية الفوز بكل شئ مستقبلا ترجح الكفة على إمكانية الخسارة بكل شئ فى الحاضر حيث ان اى نظام سياسي ديمقراطى لا وجود البتة للمباراة الصفرية بين القوى السياسية (لا نصر نهائي ولا هزيمة نهائية ) لابد من الابتعاد عن المقولة الايدلوجية فى الحصول (على كل شئ او لا شئ ) بالابتعاد عن اختراع المعيقات او الهروب الى المستحيلات ويقيننا ان اية خطوة ناجحة تقود الى نجاح اخر بينما الفشل يراكم الإحباط ونحن امة لا نعرف الاحباط لاننا امة الاسلام التى تشهد لها سجلات التاريخ الانتصارات المتتالية وهذه العزيمة تتطلب حضور الارادة دون اوهام ودون رهانات خاطئة ودون التضحية بالمصالح الوطنية . واجمعت اراء العديد من الذين استطلعتهم (سونا) بان على الحكومة المضى قدما فى ترتيباتها للايفاء بالاستحقاق الدستورى بجانب العمل بجدية فى مسار جمع الصف الوطنى حيث تنتظر الامة السودانية مخرجات الحوار الوطنى بكل ترقب لان توافق الاحزاب السياسية السودانية وتقريب انقساماتها تولد احزاب جادة لخدمة المصالح الوطنية لان قوة الدولة الديمقراطية فى قوة احزابها ولكن الانتظار لن يكون طويلا لاننا لم نعد نملك خيار اضاعة الوقت فى المماطلات والمماحكات التى تسلى بها اصحابها على انفسهم لتضيع الفرصة على الامة السودانية فى ممارسة حقها الدستورى لترضية اصحاب الاجندات الخفية ، فان الوقت يمضى ونقترب من الاستحقاق الانتخابى المقبل ببداية العام 2015 كالتزام اخلاقى للدولة والضرورات ملحة للضغط باتجاه انجاز التوافق الوطنى والمصالحة التى تكون بمثابة القاطرة التى تنقل الحالة السودانية من وحل الانقسامات الحزبية الى افق جديد للممارسة حقيقية للديمقراطية وارساء قواعد الحكم الراشد. وفى الختام نادى الجميع القوى السياسية للاتجاه للولوج لدرب المراجعات الفكرية والسياسية الموضوعية ونبذ العنف ورفض الاخر فى التعامل مع القضايا الوطنية الداخلية وقبول الحلول الوسطية بعيدا ان تمجيد كل حزب لنفسه واعتبار ذلك ضرورة قصوى ، والزمن كفيل لنعرف ما اذا كانت الاحزاب السياسية السودانية والقوى الوطنية الحقة قد اكتسبت خبرة فى تلك السنوات التى مضت من عمرها ام ان الحال ما زال باقيا على نفس المنوال فى ان يصبح الوطن والمواطن فى مؤخرة اولويات تلك القوى السياسية. =====