لندن 3-2-2020م (الاقتصادية السعودية) - قال خبراء اقتصاديون إن صناعة السيارات العالمية التي سجلت أسوأ أداء في 2019م نتيجة تداعيات الحرب التجارية قد تواجه متاعب جديدة خلال العامين المقبلين. ويقر خبراء تحدثوا ل(الاقتصادية) أن صناعة السيارات تمر بمرحلة تحول شديدة الحساسية تلقي بظلالها على مستقبل القطاع ويقرون بأن عام 2019م ربما يعد أحد أسوأ الأعوام فيما يتعلق بالأداء العام للصناعة خلال الأعوام الماضية فالتقديرات المتاحة تشير إلى انخفاض المبيعات من 83,7 مليون سيارة عام 2018م إلى 79,5 مليون سيارة العام الماضي والأخطر أنهم لا يتوقعون تعافي الصناعة إلا بحلول عام 2022م عندما ترتفع المبيعات إلى 84 مليون مركبة. ويرى المهندس جوردان وارد رئيس قسم المبيعات الدولية في شركة فوكسهول البريطانية أن 2019م كان أكثر ارهاقا لصناعة السيارات في جميع أنحاء العالم مقارنة بعام 2009م فالمبيعات تراجعت بنحو أربعة ملايين سيارة وهذا يعد انخفاضا كبيرا على المستوى الدولي، كما كان الوضع في خضم الأزمة المالية العالمية وهذا الوضع أدى إلى انخفاض الأرباح والسيولة. وفي الواقع فإن تضافر عدد من العوامل ادى إلى هذا الوضع السلبي الذي عانت منه صناعة السيارات العام الماضي الذي يتوقع أن يتواصل هذا العام. ويعتقد المهندس إل.دي. واتسون الاستشاري في اتحاد منتجي السيارات الأوروبيين أن السياسات الأمريكية تجاه الصين ادت إلى انخفاض كبير في الطلب الصيني على السيارات خاصة الفاخرة وعززت الإجراءات المتشددة التي يتم تبنيها في عديد من دول العالم خاصة في الاتحاد الأوروبي بشأن لوائح ثاني أكسيد الكربون من تراجع الطلب والتحديات التي ينطوي عليها ذلك تتمثل في دفع الأوروبيين لاستهلاك السيارات الكهربائية التي لا تزال مرتفعة الثمن، مما ادى إلى انخفاض الطلب المحلي على السيارات ذات محركات الاحتراق الداخلي في عديد من دول الاتحاد الأوروبي. ويضيف الخبير في مجال صناعة السيارات أن الأداء السيئ للقطاع العام الماضي قد يؤدي إلى انتهاء عصر السيارات الرخيصة مع تراجع الإنتاج العالمي من سيارات محركات الاحتراق الداخلي لمصلحة السيارات الكهربائية. ويرى الخبراء أن صناعة السيارات لم تكن وحدها المتضررة من تداعيات 2019م، مشيرين إلى أن قطاعات أخرى لم تكن أفضل حالا ومنها التجارة الدولية خصوصا تجارة التجزئة ويتفقون على أن العام الماضي شهد ضعفا في الاستثمارات والطلب إضافة إلى الحرب التجارية التي اشتعلت بين الولاياتالمتحدةوالصين مما أضر بسلاسل التوريد العالمية وأنهك قطاع الصادرات السلعية وأشار المحللون إلى أن الأخطر من ذلك هو استمرار منحنى هذا الأداء السيئ خلال العام الجاري. إذا عدنا بالذاكرة إلى أوائل عام 2019م وتحديدا إلى الأسابيع الأولى منه، فسنتذكر أن الأسواق افتتحت على مستويات شديدة من التقلب وهو ما لم يكن مبشرا بالخير. فالأسهم كانت قد أنهت لتوها أحد أسوأ الأعوام منذ عقد، وفي أوائل (يناير) 2019م خفضت شركة أبل توقعاتها من الأرباح بعد أن خسرت بالفعل أكثر من 400 مليار دولار من قيمتها السوقية وتأرجح مؤشر ستاندرد آند بورز 500 ومؤشر داو جونز، مما فسر على أنه بداية لعام من الاضطرابات الاقتصادية. وبالفعل اختتم العام الماضي بتقديرات نمو لم تتجاوز وفقا لصندوق النقد الدولي 2,9 % مقارنة بنحو 3,6 عام 2018م ولم يتجاوز النمو في الاقتصادات المتقدمة حدود 1,7 % مقارنة بنحو 2,2 % العام السابق وانخفض النمو الصيني من 6,6% خلال عام 2018م إلى 6,1 % عام 2019.م هذا الوضع الاقتصادي شهد عددا من الرابحين والخاسرين وبينما أدت بعض القطاعات الاقتصادية بشكل جيد فإن قطاعات أخرى شكل لها عام 2019م كابوسا لأدائها الاقتصادي المتواضع. يعد قطاع التجارة الخارجية أحد أسوأ القطاعات الاقتصادية أداء، وفقا لتقديرات الدكتورة ستيفاني والترز أستاذة الاقتصاد الدولي في جامعة كامبريدج التي تضيف لنفهم حجم التردي الذي أصيب به قطاع التجارة الدولية خلال العام الماضي علينا أن نشير إلى أنه خلال الفترة من (1990 - 2008)م كان النمو السنوي في التجارة العالمية أسرع 82 % من نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي وتقلص هذا الرقم إلى 13% فقط خلال الفترة من (2010 - 2019)، مما جعل الاقتصاد العالمي أكثر عرضة للصدمات المتكررة. وتشير ستيفاني إلى أن الاقتصاد العالمي نما بنحو 2,9 % العام الماضي ومن المعروف اقتصاديا أن نطاق النمو من 2,5% إلى 3,5% يعد منطقة خطر وإذا أخذنا في الحسبان أن تقديرات صندوق النقد الدولي تشير إلى أن نمو التجارة العالمية لم يتجاوز نسبة 1 % العام الماضي فهذا يعد أضعف أداء تجاري منذ عام 2009م والمشكلة أن هذا الأداء السيئ يتوقع له الاستمرار. وتلقي راشيل آنخيل الباحثة الاقتصادية بمسؤولية هذا الأداء السيئ على عاتق السياسات الحمائية التي تجتاح الاقتصاد العالمي عادّة أن الصراع التجاري الراهن بين الولاياتالمتحدةوالصين والسياسات الحمائية للبلدين ادت إلى تقليص حجم التجارة الدولية وأضعفت نمو الاقتصاد العالمي ومن ثم تقلص الطلب العالمي على السلع والخدمات. وكان قطاع تجارة التجزئة من القطاعات التي أصيبت بخيبة الأمل في عام 2019م فعلى سبيل المثال انخفضت مبيعات التجزئة في الولاياتالمتحدة 0,3 % بحلول (سبتمبر) الماضي والمشكلة الحقيقية أن تلك الأخبار جاءت وسط مخاوف مستمرة من الركود بسبب الحرب التجارية بين الولاياتالمتحدةوالصين قبل توصل البلدين إلى اتفاق المرحلة الأولى. تلك السحب القاتمة لم تحلق فوق الولاياتالمتحدة فحسب إذ حلقت فوق أوروبا أيضا وكانت أكثر كثافة إذ ادى تراجع أداء قطاع التجزئة إلى تبني المحال التجارية الكبيرة استراتيجية أكثر تركيزا على مواسم التسويق الكبرى ودفع هذا الوضع بالرئيس السابق للبنك المركزي الأوروبي ماريو دراجي إلى أن يطالب الحكومات الأوروبية باتخاذ مزيد من التدابير المالية لاستكمال التحفيز النقدي وتنشيط اقتصاد منطقة اليورو. بطبيعة الحال لم تكن جميع الدول الأوروبية سواء فيما يتعلق بسوء أداء قطاع تجارة التجزئة، وفي هذا السياق احتلت تجارة التجزئة في المملكة المتحدة وضعا دفع الإعلام البريطاني إلى التأكيد على أن عام 2019م كان الأسوأ على الإطلاق بالنسبة لتجارة التجزئة في المملكة المتحدة، حيث انخفضت المبيعات لأول مرة منذ 24 عاما وتأثر هذا التراجع بانخفاض المبيعات 0,9 % في شهري (نوفمبر) و(ديسمبر) وهما الشهران اللذان يعول عليهما تجار التجزئة لتحقيق معظم الأرباح السنوية. ويعد عديد من الخبراء أن هذا الوضع المتراجع لتجارة التجزئة يعود بالأساس إلى زيادة المبيعات عبر الإنترنت وانعكس الوضع السلبي في فقدان الوظائف وإغلاق المتاجر وإعادة هيكلة الشركات الخاسرة وقدر عدد العمال الذين خسروا وظائفهم نتيجة إغلاق المتاجر في المملكة المتحدة بنحو 140 ألف موظف واختفت من الأسواق بعض من ألمع الأسماء والماركات التجارية مثل سلسلة أزياء كارين ميلن وكوست وفورفر 21 متجرا وات براذرز الإسكتلندي ومتجر البيدمار الماري آند بوند ومجموعة مطاعم جيمي الإيطالية ومذر كير ولينكس. بينما قامت متاجر تجزئة أخرى بالتغلب على العقبات التي تواجهها من خلال إعادة هيكلة نشاطها وإغلاق بعض الأفرع مثل سلسلة توب شوب ودورسي بركينز وميس أوركيدا وإتش إم في ولورا آشلي. وتشير الإحصاءات الرسمية في المملكة المتحدة إلى أن 12% من المحال البريطانية الفارغة لا تجد مستأجرا. وتشهد الدوائر التجارية البريطانية جدلا حول مستقبل تجارة التجزئة في البلاد، فبينما يبدو بعضهم متشائما حيال المستقبل باعتبار أن التسوق الإلكتروني قد أحدث تغييرات جذرية في مفهوم التسوق التقليدي، ما يعني تراجعا في تجارة التجزئة التقليدية، كما أن التجارة ذاتها تواجه عديدا من التحديات المتعلق بزيادة الإنتاجية ومواصلة رفع الأجور وتحسين قابلية إعادة تدوير المنتجات وخفض النفايات. إلا أن آخرين يراهنون على أن الوضع سيتحسن إذا ما توصلت المملكة المتحدة إلى إتفاق تجاري مع الاتحاد الأوروبي على الأمور التي ما زالت عالقة رغم الخروج رسميا إذ سيعزز ذلك ثقة المستهلكين ويدفعهم لزيادة الإنفاق. المصارف أيضا لم تكن أحسن حالا العام الماضي فعلى الرغم من أن تقديرات الخبراء تشير إلى أن القطاع المصرفي الإيطالي بدأ عام 2020م في صحة أفضل مما كان عليه العام الماضي فإنه يصعب إنكار أن ذلك القطاع كان على شفا الهاوية عام 2019م وطرحت حينها تساؤلات مشروعة بشأن إمكانية انهيار النظام المصرفي الإيطالي وتأثير ذلك في النظام المصرفي الأوروبي ككل. ربما كانت أكبر مشكلات القطاع المصرفي الإيطالي عام 2019م تتمثل في ارتفاع مستويات القروض المتعثرة وضعف ميزانيات البنوك الإيطالية ورغم أن مساعدات الحكومة للنظام المصرفي مكنته من النجاة ولو مؤقتا من الانهيار فإن الصحة العامة للنظام المصرفي الإيطالي لا تزال أقل من المتوسط بالنسبة لدول الاتحاد الأوروبي إذ قدرت قيمة القروض المتعثرة في النظام البنكي الإيطالي بنحو 183 مليار دولار في (سبتمبر) 2019.م لكن بعض الخبراء المصرفيين يعتقدون أنه من الظلم إلقاء العبء على النظام المصرفي الإيطالي فقط. ويوضح هاورد كوكسون الخبير المصرفي ذلك قائلا إن النظام المصرفي يمثل انعكاسا للاقتصاد الإيطالي فاقتصاد روما بطيء النمو والبنوك الإيطالية تحتفظ بمليارات الديون في شكل سندات حكومية، كما أنها تواجه تحديات أسعار الفائدة المنخفضة التي تؤدي إلى تآكل الأرباح. ويضيف أن عام 2019م كان شديد الخطورة على النظام المصرفي الإيطالي صحيح أن المخاطر تراجعت لكنها لم تزل موجودة ولم تبعد كثيرا.