كان إفتتاح المستشفي بل بناؤها ومنذ وضع حجر أساسها حدثاً غير عادي في تلك المنطقة الوادعة على شط نهر النيل.. وهذه الأيام لا يُصدق الناس الوعود بل ماتراه العين المجردة.. فقد كان حفر الأساس حدثاً سياسياً، ولكن كانت الهواجس كثيرة والخوف أن ينتهي العمل عند حفر الأساس وارداً، ولكن البناء استمر والهمة عالية.. وظهر البنيان وكاد أن يكتمل، وأهل المنطقة يسابقون الأيام إلى يوم أن تكتمل الفرحة بإنتهاء العمل في المستشفي.. جاء اليوم الموعود وتأكد للناس أن المستشفي قد اكتمل بناؤها.. وجاء أهل الإعلام من تلفاز وفضائيات وإذاعات وصحف، واستنطقت الإذاعة عدداً من أهل القرية.. فعبروا عن فرحتهم وقدموا مطالبهم للحكومة القومية التي يستمع مسؤولها للإذاعة كل صباح جديد..! أحد المتحدثين من أهل القرية دعا للحكومة بالصحة والعافية، وقلنا آمين، فالحكومة يحتاج وزراؤها ومسؤولوها ومنسوبوها إلى الصحة والعافية كي يواصلون عملهم المضني من أجل البلد والناس.. وقال أحد المتحدثين: نريد الكهرباء والمياه والمدارس، وقال الثالث: نريد الدكاترة والدواء للمستشفى، وأن يبقى الدكاترة معنا..! تعددت المطالب عبر الإذاعة القومية وتنفس أهل المنطقة الصعداء بسماع مطالبهم عبر الإذاعة، وفي صباح يوم جديد من السودان اليوم.. واقتربت الإذاعة من الناس في البوادي والحضر، وأدت جزءً من مهمتها في جانب الإتصال الجماهيري والإقتراب من الشعب والمواطن.. ولكن هل يسمع المسؤولون من وزراء ووكلاء ومديري إدارات عامة وفرعية الإذاعة..؟ وهل تحرص إدارات ووحدات الإعلام في الوزارات الإتحادية والولائية والهيئات ذات الصلة اللصيقة بالمواطنين، مثل المياه والكهرباء والشرطة والصحة على متابعة البث الإذاعي اليومي، وكذلك البث التلفزيوني والصحف اليومية..؟ وهل تجد شكاوي المواطنين اهتماماً عند تلك الجهات وغيرها..؟ وهل يستمعون إلى نبض الجماهير وصوتها وما يطلبونه عبر وسائل الإعلام..؟ هل يذهب كلام الإذاعة في الهواء الطلق وعبر الاثير ثم لا يجد صداه عند الشخص المعنى بهذا الحديث وهذه الرسالة المباشرة..؟! في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي ظهرت موضة البث المباشر في الإذاعات العربية وخاصة في الخليج.. وتمخض عن تلك التجربة في إطارها تحديثها وتطويرها البرامج المباشرة ذات الصلة بالمواطنين وقضاياهم، والبحث عن حلول لها.. ولقد نجحت التجربة بإمتياز في الإمارات العربية المتحدة وكنت شاهداً عليها ومساهماً فيها منذ بدايتها، وماتزال تلك الخدمة مستمرة ولها مذيعوها الأفذاذ وأصحاب الخبرة المتميزة، واذكر منهم الأخ العزيز راشد عمر الخرجي وهو من أبناء إمارة أم القيوين.. والغريب أنه لم يعمل في إذاعة أم القيوين التي تبعد سوى خطوات معدودات من بيته حيث يسكن في حي الإذاعة، ولكنه عمل في إذاعة دبي.. وأصبح من أميز مذيعي البث المباشر في الإمارات، وحالياً يعمل من إذاعة وفضائية نور دبي ويقدم برنامجه المشهور البث المباشر.. وفي إذاعة عجمان مازال المذيع المتميز عبدالله راشد بن خصيف(بو راشد) يقدم برنامجه الصباحي اليومي المباشر.. وعندما كنت أعمل في إذاعة ام القوين(1979-1985) كان لنا سبق البدء بالبث المباشر خلال الفترة الصباحية ثم تبعتنا إذاعة دبي..! والآن يمكن متابعة برنامج راشد الخرجي وبو راشد العجماني من فضائيتي نور وعجمان. وتُبني فكرة البرنامجين وكل البرامج التي تشبه هذين البرنامجين على تلقي شكاوى المستمعين اياً كانت ثم متابعة الجهة ذات الصلة بشكوى المستمع، وتتم متابعة الجهة حتى الوصول إلى الشخص المسؤول ويقدم رده على الهواء مباشرة.. أحياناً تكون الشكوى والرد عليها فورياً، وأحياناً بعد دقائق من بثها.. وقد نجحت تلك البرامج طوال السنوات الماضية من حل الكثير من القضايا المهمة والحيوية، وأصبحت لها أهمية وشهرة واسعة، ولا شك أن تمكن المذيع ولطفه وخبرته يجعل من مثل هذه البرامج برامج ناجحة ومفيدة للناس.. وكثيراً ما يتلقى راشد الخرجي مكالمات من خارج دبي من أم القيوين، والفجيرة، ورأس الخيمة، ويتم الإتصال بالمسؤولين في تلك الإمارات وتتبع الشكاوي والعمل على حلها. لقد قدمت الإذاعة السودانية هذا النمط من البرامج وبرامج شبيهة وجدت حظها من الرواج والاهتمام لدى المستمعين، وكانت قريبة من نبض الناس ونقلت قضاياهم ومشاكلهم وعملت على حلها.. ولكن لم تصمد تلك البرامج طويلاً فاختفت ولم يعد صوت المواطن حول مشاكله الآنية يُسمع إلا قليلاً، وليس في برامج ثابتة (معلومة) -كما يقول الإذاعي الضليع الطيب قسم السيد- وتبع ذلك زيادة مهولة في البرامج الأخرى المباشرة التي تناول قضايا السياسة والفن والأدب، وما يطلبه المستمعون من الاغنيات والتي تعتمد على الإتصال المباشر، ولا شك أن الهاتف المتحرك جعل من الإتصال المباشر مع كل أرجاء السودان وخارجه سهلاً وميسراً.. وأرجو من الأخ المخرج الإذاعي القدير معتصم فضل عبدالقادر مدير الإذاعة السودانية ونائبه الأخ المذيع عبدالعظيم عوض- وقد كنا معاً مذيعين أبناء دفعة واحدة في الإذاعة السودانية قبل عقدين ونيف من الزمان- أن يعيدا إلى الخريطة البرامجية ذلك النوع من برامج البث المباشر التفاعلية مع المواطنين التي تنقل الشكاوي والقضايا الملحة والعالجة إلى المسؤولين وتتابعها وتتلقى الرد المباشر، ولا شك أن ذلك سيكون فيه خير كثير للمواطنين الذين سيجدون في الإذاعة السودانية ضآلتهم وصوتهم المسموع للمسؤولين حيث كانوا.. وتقوم الإذاعة بدورها المهم في خدمة مستمعيها وإسماعهم صوت المسؤولين الغائب عن الرد على مشاكلهم وتقديم الحلول.. وكثيرة هي القضايا المُلحة والعاجلة والعالقة في الأحياء والمحليات ودواوين الحكومة والهيئات والمؤسسات.. صحيح أن الإذاعة ستفتح باباً لا يُسد وقد يجلب الكثير من المتاعب للقائمين على أمر هذه الخدمة، ولكن هي خدمة مهمة وماسة وماسية (من الماس) ستقلل كثيراً من الهواء الساخن المحتبس في الصدور، وتوضح الكثير من الحقائق التي يحتاج الناس إلى معرفتها.. وتفيد أهل السياسة من أهل الحكومة في تقليل كثير من الإحتقان..! وكثيراً ما ينقطع التيار الكهربائي في الأحياء وتحاول جاهداً توصيل البلاغ إلى الجهة المختصة التي أصبحت الآن مركزية.. وعبر الرقم4848 يأتيك رد المجُيب الآلي وتظل تنتظر فترة طويلة حتى يحين دورك.. وبعد دقائق تجد فرصة للدخول إلى أحد الموظفين الذي يدون بلاغك لدقائق أخرى وتكتشف بعد الإنتهاء من البلاغ أن جنيهات من رصيدك قد ضاعت مع البلاغ.. وهذه الخدمة كما نعلم مجانية في كثير من دول العالم المتحضر وغير المتحضر.. ولكن ربما تكون الآن مصدر دخل جيد للكهرباء، إضافة إلى دخلها الكبير من بيع الكهرباء للناس..! وعبر هذه الخدمة يتم تحذيرك بأن ماتقوله مسجل-من أجل الجودة..! ومع كل هذه المحاذير وإلتهام الرصيد لا تجد فرصة لمعرفة سبب العطل، وبعض الإجابات الشافية عن موعد عودة التيار.. فلعل عبر الإذاعة نتلافى هذا الإحباط.. والصحف تقدم هذه الخدمة لقرائها وتلاحق المسؤولين أو يلاحقها بعض موظفي العلاقات العامة بالردود الشافية، وهذا في حالة إذا مس ما كُتب طرفَ قميصِ المسؤول وليس حول القضية المنشورة..! والصناديقُ الجميلة أو الصدئة والتي علاها الغبار للشكاوي والمقترحات في بعض الدوواين لا فائدة تذكر منها..! أتمنى عودة برامج البث المباشر التفاعلية عبر أثير هنا أم درمان مع المستمعين في كل مكان حول قضاياهم العالقة والعاجلة والمُلحة.