صوفية أبو قرون: يعد مولانا النيل عبد القادر أبو قرون أحد رجال الصوفية في السودان، وهو رجل محترم، يحب الآخر، ويهتم بدراسة القرآن الكريم دراسة واعية متقدمة، وهو يعتز بنصوص القرآن، وينسج من هذه النصوص نسيجاً موفقاً، وعندما تقرأ له ما يكتب تجد نصوصاً متتابعة كعقد فريد من القرآن الكريم، والذي يعتمده مرجعاً وحيداً، وهل يطلب أحد بعد القرآن مرجعاً؟! وآخر أعمال هذا الصوفي هو كتاب نبي من بلاد السودان، قراءة مغايرة لقصة موسي وفرعون، المؤسسة العربية للدرسات والنشر، بيروت 2011م. ويعرض أبو قرون رأياً يقول فيه إن قصة موسي دارت أحداثها في السودان، وأن فرعون موسي هو واحد من ملوك كوش الذين حكموا مصر مع السودان في وقت واحد، وأن موسي نفسه كان في سمرة أهل السودان، وكما يقول الناشر عن الكتاب: هنا قراءة جديدة في تفسير الآيات القرآنية التي وردت بحق نبي الله موسي وعدوه فرعون، وتكشف بالصور وبالوثائق أيضاً وبالتفسير المغاير لما اعتاد عليه المسلمون والمؤرخون، على مدار أربعة عشر قرناً لآيات القرآن الذي لا تنقضي عجائبه، عن حكاية مختلفة تقول بإن شمال السودان، أو بلاد النوبة هي الموطن الأصلي لموسى وفرعون، وأن نهر النيل هو المكان الذي ضربه موسى بعصاه فانشق إلى نصفين، وتفاصيل أخرى تشير إلى أن وجود نبي إسرائيل في بلاد السودان يعود الى أيام كان جدهم نبي الله يوسف عليه السلام عزيزاً على مصر، كما تبين وجود يهود من غير بني إسرائيل من أصول أفريقية مثل اليهود الفلاشا في أثيوبيا، ويقول الناشر: إن هذه قراءة صادمة لكل ما تعود عليه المسلمون والمفسرون والمؤرخون أيضاً، ثم يقدم الناشر أبو قرون بأنه تربى في بيت صوفي وتعلم في قرية أبو قرون السودانية، ودرس القانون في جامعة الخرطوم، وكان من أول أعضاء اللجنة الثلاثية التي قامت بصياغة قوانين الشريعة الإسلامية في عهد الرئيس السوداني جعفر محمد نميري، وتولى وزارة الشؤون القانونية آنذاك، وهو الآن عضو هيئة علماء السودان، وعضو المجلس الأعلى للدعوة، وأصدر المؤلف العديد من الكتب مثل: مراجعات في الفكر الإسلامي، الإسلام والدولة، في رحاب الرسالة، وأذكر شخصياً أنني حضرت في يوم عيد القيامة المجيد إحتفال وزارة الأوقاف والإرشاد بكتاب أبو قرون في رحاب الرسالة، وقدم الوزير أزهري التجاني هذا الكتاب بكل أعتزاز وافتخار، وقدمت مداخلة هي تحية للكاتب الذي يحب الآخر ويحترم الآخر، ويقدم ما يؤكد إحترام الإسلام للمسيحية، ويوسع دوائر مساحات الود والإحترام بين المسيحية والإسلام. ليس وحده: إن الشيخ أبو قرون قدم قراءة جديدة لقصة يوسف، ولقصة موسى، ولكنه ليس الوحيد الذي يقول هذا، فلقد أشارت بعض الأبحاث إلى أن موسى النبي من مواليد دنقلا، وأن قصر فرعون في دنقلا هو القصر الذي يطل على النيل، والذي رأت فيه ابنه الملك الطفل الجميل الباكي موسى، والذي تربى في قصر فرعون، رغم أن أوامر فرعون كانت أن يُوأد أو يُقتل الذكور، لكي يصبح أبناء يعقوب بلا رجال يدافعون عن قضاياهم، وقد جاءت رواية سفر الخروج عن موسى متشابهة جداً ومتلاقية مع ما ذكره القرآن الكريم، وكون الشيخ أبو قرون يقول إن موسى ولد في بلاد النوبة، أو كما يقول البعض في دنقلا، يؤكد من كل ناحية أن السودان أرض كوش هو مصدر الحضارة، ومهد الحضارات القديمة، وأن التاريخ يبدأ من السودان، ومن ثم يمضي إلى شمال الوادي، لأن الحضارة نشأت على ضفاف النيل، ومن الطبيعي أن النيل لم يجدد طريقه بين عشية وضحاها، ولكنه سار رحلة آلاف الأميال متجهاً نحو الشمال خلال أجيال، وبدأت الحضارة في الجنوب، وبعد هذا أخذت مسيرتها إلى الشمال، حتى أن البعض يرى أن سكان مصر هم أصلاً من السودان أو أفريقيا، وأن الموتى في مصر يدفنون وجههم نحو وطنهم الأصلي، نحو الجنوب، ويقول البعض أن نوحاً بنى سفينة الإنقاذ من خشب السودان، وأن أدريس نبي، ويرى الشيخ أبو قرون أن التاريخ الفرعوني يتكون من ثلاثين أسرة حكمت مصر خلالها أجناس أجنبية عديدة، ومن بينهم الهكسوس والليبيون، والكوشيون، والفرس، ويقول أبو قرون إن لقب فرعون لا يعني أنه مصري الأصول، إنما هو لقب شاع مع الاسم الشخصي لكل ملك حكم مصر في التاريخ المصري القديم، مثلما شاع لقب قيصر على كل حاكم أعلى للرومان والبيزنطيين، ويؤكد أبو قرون ما أكده تاريخ كوش من أن أهل كوش من النوبيين الذين حكموا مصر، وأسسوا الأسرة الخامسة والعشرين، وأن بعانخي هو موحد القطرين، وأن سبتكا، وشبتاكا أقاما في منفى بمصر، بينما تهراقا جعل تانيس أو صان الحجر موقعاً ملكياً له ليقف ضد آشور. أعتقد أن الشيخ أبو قرون قد اجتهد في تفسير القرآن الكريم بطريقة تتفق مع مكانة السودان كأهل للحضارة القديمة، وإذا اختلفنا معه أو اتفقنا فإن باب الإجتهاد مفتوح، وكل إجتهاد مشروع، وفي إعتقادي أن مسألة أن موسى شق نهر النيل وليس البحر الأحمر، والسبب هو إتساع البحر الأحمر طولاً وعرضاً، وأن هذا صعب جداً، ولكن هذه معجزة، فالإنسان العادي يغرق في شبر ماء، ولكن موسى بمعجزة إلهية قوية شق البحر الأحمر، وكما يقول سفر الخروج: وَمَدَّ مُوسَى يَدَهُ عَلَى ا لْبَحْرِ فَأَجْرَى ا لرَّبُّ الْبَحْرَ بِرِيحٍ شَرْقِيَّةٍ شَدِيدَةٍ كُلَّ ا للَّيْلِ وَجَعَلَ الْبَحْرَ يَابِسَةً وَانْشَقَّ الْمَاءُ. فَدَخَلَ بَنُو إِسْرَائِيلَ فِي وَسَطِ الْبَحْرِ عَلَى الْيَابِسَةِ وَالْمَاءُ سُورٌ لَهُمْ عَنْ يَمِينِهِمْ وَعَنْ يَسَارِهِمْ.(خروج14: 22،21)، وقد حدد سفر الخروج الموقع بأنه أمام فم الحيروث بين مجدل والبحر أمام بعل صفوت، وقد أكد أول شهداء المسيحية أسطفانوس في 35م وبعد قصة الخروج والتي حدثت في عام في 1446 قبل الميلاد، أي بعد مدة كبيرة أن موسي عبر البحر الأحمر، وهنا يقول سفر الأعمال: هَذَا أَخْرَجَهُمْ صَانِعاً عَجَائِبَ وَآيَاتٍ فِي أَرْضِ مِصْرَ وَفِي الْبَحْرِ الأَحْمَرِ وَفِي الْبَرِّيَّةِ أَرْبَعِينَ سَنَةً :(أعمال37:7) )لا شك أن مولانا الشيخ أبو قرون قد فتح أمامنا أبواباً عديدة للتأمل والتفكير، فمرحباً به، حبابه عشرة ولا داعي للكشرة.