العقلاء من السياسيين منسوبي الحزبين التاريخيين الأمة والاتحادي الديمقراطي الأصل، يحاولون الموازنة ما بين الانحناءة للمباديء الوطنية التي توجد في أي منفيستو للأحزاب الوطنية .. وما بين انحناءة الخضوع والطاعة رهن إشارة الزعيم.. ولو مظهرياً لحفظ ماء وجه الخط السياسي للحزب. وأعتقد أن حزب الأمة رغم ثقله الأسري حاول مراراً التجاوز عن هذه الإشكالية الحزبية بإعلانه قولاً وفعلاً عن اتساع الدائرة الديمقراطية للحوار والممارسة واتساع هامش الحريات السياسية داخل أروقة الحزب. السيد الصادق المهدي زعيم الأمة والأنصار يؤكد دائماً أنه يشارك ساسة بلادنا في الالتزام بالخط الوطني والأجندة الوطنية مع رفض المشاركة، ويعلن أن مشاركة نجله العقيد لم تكن بإيحاء من حزبه.. ود. مريم الصادق تعلن أن حزبها سيكون ضمن قوى الإجماع الوطني المعارض للخروج بالسودان من وهدته..! ما جاء على لسان زعيم الأمة من وصف لمشاركة الاتحاديين بالحكومة بأنها مشاركة فخرية، لكن هذا لا ينفي أن حزب الأمة له (عود) في المشاركة وليس هو (عود امرأة). وواضح أن شباب الأمة يرفضون المشاركة وأن الصادق المهدي رجل ليبرالي ينصاع لرأي الأغلبية وإن كان هناك (عود للحزب) يبدو ذلك في تشكيلة مساعدي الرئيس. وشباب الاتحاديين يرفضون المشاركة ويعلنون أنهم مع مؤسسية حزب الوسط ويخضعون لرأي الأغلبية. ويصبح هذا هو الفارق بين الحزبين، حزب الأمة حزب ليبرالي رغم أنه حزب تقليدي يقوم على وهج ميراث الأجداد والآباء، والأمة يعلي من شأن المرأة ونراها ذات مشاركة واسعة في إدارة الحزب عكس ما نراه في الاتحادي الأصل. والحزب شارك في المعارضة العسكرية نساؤه ورجاله. وهو حزب أيضاً يقوم على الاعتماد على ركائز السلطة الأسرية. ومثله الاتحادي في اعتماده على وهج القداسة والميراث.. وإدارته بواسطة البيوتات المؤيدة (نحن نؤيد حزب السيد).. ومن ثم بأبناء هذه البيوتات من المثقفين وذوي الحظوة من الثراء وإن غابت مشاركة المرأة إلا بصورة باهتة ودونكم الأسماء المشاركة في الحكومة فجلها من ذكور الحزب. في مقال لقيادي بارز بالاتحادي الديمقراطي الرافض لمشاركة حزبه بالحكومة الدكتور أبو الحسن فرح، فقد كان يتحدث بلسان العارف ببواطن ودهاليز حزبه.. وبحزنه من (الفخ) الذي وقع فيه الحزب باتجاهه للمشاركة بأفراد وليس مشاركة الحزب. اللهجة كان فيها كثير من المرارات والإحباط.. وأيضاً الثقة بالنفس. وغريبة جداً هذه الساحرة التي اسمها السياسة والسلطة.. ففي دائرتها يحق لك التعبير عما يجول داخل نفسك خاصة إذا كنت معارضاً. د. فرح ذكر عن مشاركة حزبه في السلطة التشريعية بقوله إننا قدمنا أخوة لنا للمجلس التشريعي مراعاة لظروفهم الشخصية!! ويذكر أنه أحد كبار المستفيدين من الشراكة ولكنه يقف موقفاً مبدئياً فارقاً.. في حال بلادنا الآن لا يصدق أحد أن هناك موقفاً مبدئياً في عالم اليوم.. ويصف الوزراء والوزارات مع احترامه لها ولهم- أنه يسعى إليها غير المحترفين وذكر أن أمثالنا يمكن أن يغتربوا لأي مكان في العالم!! ويصف المشاركة بأنها ضحت بالشعارات التي رفعها حزبه التي ذهبت مع أدراج الرياح مع المصالح التحتية. يا سيدي الدكتور أبو الحسن كان ينبغي ألا تقلل من مشاركة عضويتكم التي ارتضيتم لها المشاركة مراعاة لظروفها الشخصية هذا دليل بأنكم أيضاً جريتم وراء المصالح الشخصية.. وهي أحد أجندة الممارسة السياسية لأي حزب أو تنظيم سياسي في العالم.. المشاركة في السلطة رفاهية المواطن مع رفاهية العضو المنتسب.. حتى لو لم تكن مدرجة في أهداف الحزب.. وهي إحدى الشعارات البراقة التي تجذب لكم مؤيدين كما تجذب النار الفراش الحائر. ووصف القيادي الدكتور بحزب الاتحادي بأن الوزارات يسعى لها غير المحترفين.. نوافقك بأن بعضاً من كلامك بجانبه الصواب ولكن من قال إن الوزير هو الذي يدير وحده أمر وزارته.. فهي مؤسسة لها مجالس إداراتها التي تعمل بروح الفريق كل باختصاصه.. فكم من وزير طبيب أدار وزارة للزراعة.. وكم من ضابط إداري استوزر على وزارة صحة وهكذا.. وكان يفترض وأنت سياسي أن تكون أدرى بذلك من المواطن العادي.. يا عزيزي دكتور أبو الحسن.. عندما كنتم بعيدين عن وهج السلطة في سعي حثيث بناء الحزب وأنتم خارجها.. أن آخر مؤتمر عام لكم كان في أواخر ستينيات القرن الماضي!!.. ورغم ذلك أشواق أهل الوسط دائماً ما تهفو إلى حزبكم الموقر.. لأن بين جنياته عدداً محترماً من قادة الوطني الاتحادي من بينهم القيادي البارز المبدئي الوطني علي محمود حسنين. فحزبكم توليفة ضمت أبناء الوسط حتى من اليسار ولو أنكرتم ذلك.. وهذا يكفيه فخراً.. تموج داخله التيارات الوطنية والمجاهدة واليسارية والتقليدية العتيقة وأيضاً من ينحنون لوهج الضريح. وهو أكثر الأحزاب التي قدمت من أبناء بيوتاتها شباب وقيادات الحركة الإسلامية.. منهم صاروا شيوخاً ومنهم من لا زال في شرخ وماء الشباب.. والآن هم السلطة. حزبكم حزب متميز فقط يريد من يخلص له ومن يدرك أنه الحزب الذي يجمع عليه أهل الوسط. ولننظر إلى بلادنا بعد الانفصال.. السيطرة فيها أصبحت للوسط.. ليس بالعاطفة ولكن بالمساحة والسكان والثقافة. نحن الآن أحوج ما نكون لأن نضع أيدينا فوق أيدي بعضنا.. فقط لنتجاوز حواجز الخطر ومنحنيات التحدي وعطفات ومعوقات الطريق.. قد يكون ما صرح به السيد محمد عثمان الميرغني عندما وصف المعارضين في المشاركة بأنهم لا يشبهوننا.. زلة لسان.. وكان الأحرى للزعيم أن يقول إن الديمقراطية أملت علينا الانصياع لرأي الأغلبية.. وربما تكون هي روح التسلط الأبوي.. فهم يشبهونك سيدي الميرغني.. فهم أبناء الوسط.. ولكنها سنة الحياة ربوا أبناءكم لزمان غير زمانكم. وتعجبني ثقة د. أبو الحسن فرح بنفسه.. وهي إحدى سمات الكاريزما القيادية وأمر طبيعي أن يخرج لنا حزب الوسط مع طلوع كل شمس قائداً جديداً.. وحزباً جديداً وعهداً جديداً.