تشعر وأنت ترى الحضور الكثيف والمتنوع من رجال السلك الدبلوماسي وسيدات ورجال الأعمال والدستوريين وقادة الإعلام والصحفيين، بأن هناك حدثاً عظيماً، فالجميع قد جاء للمشاركة في ملتقى الاستثمار الثاني المنعقد في الفترة من 24-26 ديسمبر بمدينة بورتسودان بولاية البحر الأحمر تحت رعاية والي الولاية محمد طاهر إيلا، ويبدو أن الولاية تنتظر الكثير من هذا الملتقى... «آخر لحظة» كانت حضوراً واستطاعت أن تلتقي بالمشرف الأول على الملتقى د. صلاح سر الختم كنة أحد القائمين على أمر الولاية، وبحكم عمله كنائب للوالي ووزير للمالية طرحنا عليه العديد من القضايا الأمنية والسياسية والاقتصادية، مع التركيز على قضايا السياحة، وعلى الرغم من انشغاله الشديد وتحركه في كل الاتجاهات للتأكد من أن كل شيء يسير على ما يرام، فقد منحنا الكثير من وقته وأجاب على استفساراتنا بكل صراحة.. فإلى مضابط الحوار: نريد أن نعرف ما هو موقف الاستثمار في الولاية بالضبط؟ - نحن نستهدف إقامة قرى سياحية وتحقيق نهضة كبيرة في قطاع السياحة خلال الفترة المقبلة، وأملنا كبير أن يكون القطاع مورداً أساسياً وفاتحة لاستيعاب الخريجين من أبناء الولاية، فإذا استطعنا إكمال الخدمات من كهرباء ومياه وتنمية وبنى تحتية، نستطيع أن نرغب المستثمرين. لاحظنا خلال الملتقى أن أحد خبراء الجيولوجيا كشف عن تصميم خريطة تؤكد وجود «20» موقعاً في أماكن متفرقة بالولاية بها ثروات ومعادن مختلفة؟ - نعم فما ذكره د. عدلي عبد المجيد نعتبره خارطة طريق نهتدي بها، لكن الدولة ليست لديها الإمكانات الكافية للاستشكاف، ودورنا نحن أن نعمل على جلب المستثمرين والقطاع الخاص لتحقيق ذلك. إذن هذا يعني أن توصيات الملتقى ستجد حظها من التنفيذ على أرض الواقع؟ - من جانبنا نحن سنعمل على متابعة التوصيات ووضع آلية وتقسيمها حسب الجهة المختصة، وتقديم التسهيلات اللازمة للتنفيذ لكن في جانب المعادن لابد أن نشعر أولاً أن ما نبذله من جهد له مقابل مباشر تجنيه الولاية، وأن نصيبنا محفوظ. ماذا تقصد «بنصيبنا محفوظ»؟ - حسب الدستور معروف أن هناك نسبة 2% مخصصة لكل ولاية مما تنتجه من معادن لكن نحن لم نتلقَ هذه النسبة حتى الآن من استخراج الذهب من أرياب رغم أنه «حق دستوري»، وعلى الرغم من موافقة وزارة المعادن على ذلك، إلا أن وزارة المالية تماطلت ولم تلتزم بذلك ونحن كولاية لم نأخذ نصينا حتى الآن ونجدد مطالبتنا لها بالالتزام، فغالبية الوحدات الموجودة هنا اتحادية كالميناء والجمارك والمواصفات والمقاييس وميناء بشائر، وكل مواردها تدخل في إطار الدخل القومي. هناك شكاوى من تعقيدات يواجهها السياح القادمون للولاية، إلى جانب التكلفة العالية؟ - نعترف بوجود تعقيدات في الإجراءات، وقد يحدث أن يتخذ أحد العساكر موقفاً تجاه السياح يؤدي إلى نفورهم، فهناك بعض الإجراءات تحتاج إلى مراجعة وقد وجه الوالي بتسهيل إجراءات دخولهم للولاية وإزالة المعوقات، فعلينا أن نحافظ على عدم تهديد أمن البلاد لكن بطريقة مرنة للتكلفة العالية، فهي رسوم اتحادية من تأشيرة وغيره وليست ولائية، أما توصيات الملتقى حول السياحة فسنعمل على التنفيذ الفوري لتوصية المنطقة بالتفويج الجماعي للسياح في الولاية، إلى جانب التوصيات الأخرى. يقال إن هناك تدخلات سياسية لإطلاق سراح بعض المتورطين بالصيد الجائر في البحر الأحمر؟ - اعتقد أن هذا الجزء يلي الجهات القانونية والنيابية، فنحن لدينا قانون يحدد التعامل مع المخطيء ومعاقبته، حيث تجرى زيارات تفتيشية لضبط المخالفين. على الرغم من شح الموارد والظروف التي تمر بها البلاد إلا أن الولاية متمسكة بإقامة مهرجان سنوي للسياحة لماذا؟ - نعم فعلى الرغم من ما نسمعه من إحباط هنا وهناك من بعض الجهات، إلا أننا مستبشرون خيراً، وفي رأيي الشخصي فإن التفاؤل يحقق الكثير، صحيح ليس بالأماني وإنما بالعمل الجاد والمستمر، فالمهرجان لن يتوقف وأؤكد بأننا لم نحتاج في تمويله إلى جنيه واحد من الميزانية العامة للولاية، بل عبر دعم مباشر من القطاع الخاص واتحادات العمل، وأؤكد أن الشركات الخاصة إذا لم تستفد لما استمرت في تمويله، والفائدة هنا مباشرة وغير مباشرة، فالغرض تفعيل دور القطاع الخاص وتحريك الاقتصاد وقطاع النقل والفنادق، حيث شهد العام الماضي ازدحاماً كبيراً في النزل والشقق مما دفعنا إلى فتح دور الشباب. نجد أن هناك انتقادات واسعة من المعارضة في ولاية البحر الأحمر لعدم وجود عدالة في توزيع التنمية، ويقال بأنها مجرد تنمية مظهرية وليست حقيقية، وذلك لعدم انعكاسها على المواطن البسيط؟ - نقدر الرأي الآخر ونحترمه لكن أقول أين كانت المعارضة قبل هذه التنمية، وماذا كان دورهم عندما كانوا في الحكومة وما الذي قدموه، وأشير إلى أن الوالي عندما تسلم قيادة هيئة الولاية لم تكن بورتسودان بهذا الشكل، وكانت طاردة فحتى التجار المشهورين والموردين هجروا وأغلقوا مصانعهم ومحلاتهم في ظل ظروف كان يعلمها الجميع، الآن الكل يشهد بالتغيير الذي حدث ليس في بورتسودان وحدها، بل شمل كل المدن، صحيح أن الإمكانات تحول دون التنفيذ الكامل، إلا أننا نعمل وفق خطة متكاملة وتدريجية لتعم كافة المحليات والقرى، فإذا لم تستهدف التنمية المواطن البسيط فهي «ناقصة» وهناك عمل مستمر في سواكن وهيا وأوسيف وحلايب وطوكر من إنشاء طرق ومدارس ومستشفيات وكهرباء ومحطات لتحلية المياه. يقال إن الوضع الإنساني في جنوبطوكر سيء للغاية ويشار إلى حدوث مجاعة؟ - هذه مجرد أقاويل عارية من الصحة، فمن المعروف أن كميات المطر في الخريف هي التي تحدد الإنتاجية في مناطق زراعة الذرة، وإذا حدث أي شح نحن كولاية نراقب الأوضاع ونتدارك الموقف، فلدينا مخزون إستراتيجي خاص بالولاية، مثلاً عندما حدثت السيول في طوكر وفرنا كميات كبيرة من الذرة، كذلك حدث في العام الماضي لسد احتياجات برنامج الغذاء مقابل التعليم. إذن كيف يسير برنامج الغذاء مقابل التعليم؟ - يسير بصورة جيدة، ورغم أنه يكلف الولاية ما يفوق «2» مليون جنيه شهرياً، إلا أننا مستمرون فيه لإحداث الاستقرار لأبناء الريف وتوفير الأمن الغذائي ونشر التعليم، وقد وجد إقبالاً كبيراً من المواطنين، والآن أصبحت مبادرة اتحادية وليست ولائية فقط. بالنسبة لتوفير الأمن في الولاية وفي ظل المهددات الداخلية والخارجية على ساحل البحر الأحمر، كل ذلك ألا يشكل أعباء إضافية على موازنة الولاية؟ - بالتأكيد صحيح أن مسؤولية الأمن اتحادية لكن يقع على الولاية العبء الأكبر في تأمين الساحل، فالولاية تواجه مهددات أمنية خطيرة سواء على البر أو الساحل مثل تهريب البشر وقضايا الهجرة غير الشرعية وتهريب المخدرات والكحول، وبالنسبة للهجرة كنا أول ولاية تصدر قانوناً بمكافحة التهريب، كل هذا يجعلنا نحتاج لميزانيات كبيرة للتصدي له. في اعتقادك هل النسبة المخصصة للولاية من الميزانية العامة للدولة كافية أو مرضية لكم؟ - من المعروف أن نصيب الولايات كلها يمثل 30% من الإيرادات العامة، وذلك حسب تقسيم مفوضية تقييم الإيرادات لكن بالتأكيد فإن المعايير التي بنيت على أساسها القسمة هي «تقدير بشر»، وبالتالي فهناك أشياء أغفلت عنا ولم نستلمها ونحن نطالب بزيادة ميزانيتنا، فولاية البحر الأحمر تعتبر ولاية خدمية ولها ميزة اقتصادية لوجود ميناء بورتسودان وحركة الصادر والوارد، إلى جانب ما ذكرته عن وجود مؤسسات أخرى وحاجتها للبنى التحتية وتوفير المياه والكهرباء والأمن إلى جانب خدمات الحجاج والمعتمرين، فنحن نقدم خدمات بدون مقابل، لذلك فإن الولاية تحتاج إلى تمييز ونتوقع أن يحصل تعديل خلال ميزانية 2012، فنحن آخر ولاية من حيث قسمة الموارد وتحديد المبالغ وقد وعدونا بأن تكون هناك معالجة للوضع. كوزير للمالية، ما هي أكبر مشكلة تواجهكم، وما الذي يشكل عبئاً وهاجساً في الموازنة؟ - أكبر مشكلة هي الفصل الأول المتعلق بالمرتبات للعاملين بالدولة، نعترف بوجود عجز وخلل فينا نتيجة للالتزامات الكبيرة في الصرف على التنمية، وقد أشرت في حديثي إلى أن المفوضية حددت لنا مبالغ معينة أدت إلى سد العجز لكننا نتوقف نسبة لظروف، وقد وعدونا في المركز بحل تلك القضية. وما هو موقف الموازنة الآن؟ - حالياً تم إعداد الموازنة للعام 2012 ونوقشت في كل المحليات والأجهزة الفنية والوزارات المختصة وتمت صياغتها بصورة نهائية، وأهم الملامح أنها وضعت بدون أي زيادة في الرسوم أو الضرائب حتى لا تثقل كاهل المواطن، لدينا فقط بعض الجداول والقطاعات إن لم تضمّن في الميزانية السابقة وتم تعديلها، هذا إلى جانب ترشيد الصرف الحكومي، ونحن أقل الولايات صرفاً في الفصل الثاني المتعلق بالسلع والخدمات، حيث لم نتجاوز «35%» في المصروفات، وبالنسبة للتنمية فأغلبية المشاريع ينفذها القطاع الخاص أو عبر القروض من المصارف. ما هو موقف الولاية من المراجع العام والحديث عن فساد وتجاوزات في بعض أجهزة الدولة؟ - أولاً ليس لدينا أجهزة تتهرب من المراجعة، وقد ظل تقرير المراجع لسنوات خالياً من التجاوزات عدا بعض الأخطاء الإدارية وهي ليست فساداً، فلدينا جهاز مراجعة فاعل تمثله إدارة المراقبة الداخلية وهو يقوم بعمل ممتاز. فيما يتعلق بالأموال المخصصة لصندوق الشرق هناك شد وجذب وبعض التحفظات، ماذا يجري بالضبط؟ - المعروف أن الصندوق جاء حسب اتفاقية الشرق وهو آلية لتنفيذ المشروعات المتفق عليها، ويتم توفير المبالغ حسب الصرف من وزارة المالية والميزانية العامة، ومن جانبنا نعمل على إنفاذ المشروعات وهي ترتبط بالأموال المتوفرة، وقد بدأنا الآن في تنفيذ جزء منها، أما الجزء الثاني فيتعلق بالمانحين ومدى التزامهم بالمبالغ المحددة ونتوقع إذا حدث ذلك، تكون هناك طفرة كبيرة في مجال التنمية والبنى التحتية في المدن المستهدفة، وحقيقة لا يوجد خلاف، إنما تباين في وجهات النظر حول الأداء، وإذا حدث ذلك يجري النقاش حوله ومعالجته عبر التفاوض.