أصبح التشرد مشكلة تسري مثل السرطان في جسد السودان فلابد من الوقوف عندها عدة مرات ومرات، وبما أن المسكن أصبح لا يجدي فقد ظلت «آخر لحظة» تطالب بالدواء الشافي من خلال التحقيقات التي تناولتها المشكلة فربما يكون يوماً الدواء بين سطور إحدى تحقيقاتها.. جدل حول الأرقام وتخوف من استخدام الظاهرة ضد الدولة،جاء في التقرير المشترك الذي قدمه رئيس لجنة الشؤون الاجتماعية بالمجلس الوطني أن التشرد ظاهرة لا تخلو منها دولة من الدول، ولكن تتباين مسمياتها وأسبابها كما تتعدد وسائل معالجتها على كافة المستويات. وقال إن الظاهرة حظيت بعدد غير قليل من الدراسات والبحوث وخلصت إلى أن عدد المتشردين في زيادة مضطردة وأن الدوافع الرئيسية اقتصادية متمثلة في الفقر والغلاء والعطالة، واجتماعية تعود إلى التفكك الأسري وتداعياته والهجرة القهرية بسبب النزاعات القبلية والحروب والمجاعات والكوارث الطبيعية ويرمي بظلاله السالبة على المجتمع في تفشي الجريمة والأوبئة والأمراض والإخلال بالأمن والاستقرار وسلامة المجتمع. ورغم إدراك الجميع لمخاطر التشرد على المشردين وعلى المجتمع إلا أن حادثة الوفيات الجماعية قد أضاءت إشارة حمراء توقف عندها الجميع لاحتمال استغلالها وتوظيفها ضد السودان بحجة ضعف العناية بالمشردين وحقوقهم في الرعاية والحماية، وإن ما ضرب بعض دول الجوار والسودان في العقدين الأخيرين من جفاف وتصحر ونزاعات قبلية وحروب أهلية قد أدى إلى زيادة عدد المشردين بصورة ملفتة للنظر إذ بلغ عدد المشردين أكثر من «700» ألف متشرد، و بلع عدد المشردين جزئياً أكثر من «28000» متشرد يمارسون أعمالاً هامشية جميعهم يتشردون في وسط المدينة والميادين العامة والأسواق والمطاعم ويمارسون التسول ولعب القمار واستنشاق البنزين والسلسيون ويمارسون السرقة والاحتيال وفاحش القول وهذه الإحصائيات أعدت بواسطة باحثين بجامعة الخرطوم. وقد وجه رئيس اللجنة انتقاداً للتمويل الأصغر وطالب محافظ بنك السودان بإعادة مبلغ «12» مليار خصصت لصالح التمويل الأصغر لخزينة الدولة، وقال إن اللجنة تمتلك وثائق تؤكد عدم جدوى ذلك المشروع ووجه انتقادات لديوان الزكاة واتهمه بالفشل، وقال إن أموال الزكاة إذا كانت تجمع بصورة صحيحة وتوزع على مستحقيها لما كان هنالك مسكين أو فقير. وفي ذات الجلسة وحول نفس القضية احتجت وزيرة الرعاية الاجتماعية على الأرقام المذكورة وطالبت اللجنة بالالتزام بالأرقام الرسمية الصادرة من الدولة وشككت فيها وقالت إنها صادرة من جهات غير معتمدة لدى الدولة. وأوضحت أن عدد المشردين حسب آخر إحصائيات العام 2008، «7.447» متشرد كلي و«4.000» متشرد جزئي وأشارت إلى الجهود المبذولة لمعالجة الظاهرة وكيفية التعامل معها من خلال تفعيل قانون الطفل لسنة 2010 وأن هنالك لجنة تم تكوينها للم الشمل وإعادة الدمج وإنشاء عدد من دور الإيواء منها طيبة والبشائر والرشاد. يهربون من الدور لتغير السياسات: ما جاء في التقرير فتح الباب على مصراعيه لعدد من التساؤلات حول مشكلة التشرد التي تحولت من ظاهرة إلى مشكلة؟ وما هي الجهات المعنية بهذا الأمر؟ وما هو دور المحليات في مكافحة المشكلة؟ وما هو الإجراء المتبع في حالة الحملات التي تقام بين الحين والآخر؟ للإجابة على هذه التساؤلات التقينا بالأستاذ محمد خيري بابكر مدير الرعاية الاجتماعية والمشرف على حملة المخالفات الاجتماعية بمحلية الخرطوم الذي قال إن إنشاء قسم إدارة المخالفات تم في العام 2007 ويعنى بكافة الظواهر السالبة، وأن هذه الوحدة تعمل من الصباح مسحاً كاملاً لكل الحالات منهم من يتم فتح بلاغ في مواجهته بإداراة أمن المجتمع وبعضهم يذهب به إلى المعسكرات وهم المشردون الأقل من سن «18» سنة لأنهم يعتبرون أطفالاً تحت حماية الدولة حسب قانون الطفل «2010» وأكد أن الكبار الذين يتم في مواجهتهم بلاغات في أمن المجتمع فالقانون الذي يحاكمون به في حد ذاته ليس بالفاعلية التي تمنعهم من الخروج مرة أخرى، حيث إنه لا توجد مادة محددة في أمن المجتمع يحاكمون بها وإنما تتوقف العقوبة على فهم القاضي وحسب تردد المتشرد عليه ففيهم من يحاكمون بالجلد والسجن أو العقوبتين معاً ويكتفي في بعض المرات بالتعهدات فقط. وقال أنا في تقديري أن عدد المتشردين لا يتجاوز «3.500» إلى «3.000» متشرد إذا استبعدنا المتسولين وإن كانوا هم الاثنين مكملين لبعض. والبرنامج المعد في الدور فيه إعادة تأهيل لهم، لكن للأسف هم يحاولون الهروب من الدور الآن السياسة تتغير في اإدارة الدور والدور هي تابعة للوزاراة وهذا السبب الذي جعلنا لا نستطيع عمل سياسة، موحدة فكل ما علينا هو الجمع وعلى الوزارة الإدارة. حتى الذين يذهبون إلى السجون يوم أو يومين يخرجون بعد الجلد. وقطع بأن الدور إذا قبلت أن تتولى أمر المشردين شهرين فقط لأصبحت الخرطوم خالية من المشردين، حيث وصل المشردون في بعض الحالات «850» متشرداً.. فمن المفترض أن الدور تعمل دراسات ولها برنامج لم الشمل وهنالك برنامج آخر وهو عن طريق الباحثين الاجتماعيين والنفسيين للبحث عن الأسر.. كما أن هناك برنامج اتخذ وهو التمويل الأصغر والتسجيل في ديوان الزكاة وهذه التجربة اجريت ل«103» اسرة وجدنا اسرتين فقط هي من تسكن الخرطوم، فالمتشردون باتوا وافدين من محليات أخرى والولايات القريبة، وهنا المشكلة تكون متكررة وهذه هي المشكلة الوحيدة التي لا نستطيع كمحلية أن نحسمها وهي المتابعة لاستئصال الوافدين. ففي السابق كان هنالك تعاون مع أمن المجتمع، والآن يتم فقط فتح البلاغات وتخصيص قوة من عمال المحلية متخصيين وأصبحت لديهم خبرة في التعامل مع المشردين.. فالذي نعانيه هو ضعف الأحكام فالقانون ضعيف فلابد من أن يكون هنالك تشريع ويصدر قانون من المجلس التشريعي. وأوضح أن هناك رؤية وضعتها المحلية ورفعتها للجهات العليا لتنفيذها ،إذ طالبتها باستمرار وحدة مكافحة الظواهر السالبة ودعمها وزيادة كفاءتها كما أن هنالك خطة بإنشاء مركز حرفي لتأهيل الفاقد التربوي لتجفيف منابع التشرد وضرورة التنسيق مع وزارة التنمية الاجتماعية في الدور الإيوائية المقامة في محلية الخرطوم التي تتبع للوزارة الخاصة بإيواء المشردين والمتسولين وتخصيصها للمحلية لإداراتها والعمل الجاد لمعالجة أمر التشريعات والقوانين التي من شأنها الحد من الظاهرة وأن تنشأ كل محلية وحدة لمكافحة الظواهر السالبة حتى يتم التجفيف كلياً.