يمثل التشجير في السودان أهمية قصوى حيث تحتاجه الأراضي الواسعة للحفاظ على التربة ، وتحتاجه المدن لتجميل المنازل والشوارع لإزالة الكآبة وإدخال السرور في النفوس ، بجانب مزاياه الأخرى في حماية البيئة وترطيب المناخ ، لذا فإن الاهتمام بزيادة المساحات الخضراء قد إزداد ، وأصبحت تُرصَد الميزانيات لإنشاء الحدائق وتشجير الشوارع ، ومنذ العهد الانجليزي كان التشجير يُحظى بالاهتمام ، فقد ركز الانجليز في تلك الفترة على زراعة النيم واللبخ ، وهما أشجار هندية الأصل ، حيث كان الوجود الانجليزي مشتركاً بين السودان والهند وقد لاحظنا أن شوارع المدن الرئيسية خاصة الممتدة على النيل مفروشة بأشجار اللبخ والنيم ، كما يلاحظ ذلك بالمدن القديمة بمروي والدبة ودنقلا وشندي ومدني والخرطوم ، أما غرب السودان فقد خُصِصت له أشجار النيم كأشجار ظل كما يلاحظ ذلك وبصورة لافتة في مدينة أم روابة ، أما أحدث أشجار الظل التي دخلت للسودان وإنتشرت بصورة واسعة خاصة في الخرطوم العاصمة هي الأشجار المعروفة باسم «الدمس» وهي شجرة ظليلة تنمو بسرعة وليس لها شوك أو تساقط في الأوراق كما هو الحال في النيم ، وقد إنتشرت هذه الشجرة فأصبحت الشوارع لاتخلو منها ولا المنازل وقد عُرِفت هذه الأشجار «بشجر المؤتمرالوطني» ، ولست أدري ماهو سبب التسمية.. هل لأنها انتشرت بشكل واسع وأصبحت من ناحية شعبية هي الشجرة الأولى..؟ أو ربما يفكر البعض بأن الاسم جاء لأنها أشجار عديمة الفائدة لا ثمار لها..؟ على كلٍ فلنترك أصحاب هذه الآراء في تفكيرهم ولينظر لها كل منهم من خلال وجهة نظره ، ولكن ما أود أن اُشير إليه هو أن هناك دعاية إنتشرت بصورة قوية تدعو لازالة هذه الأشجار بإعتبار أن جذورها تدمر الصرف الصحي بالمنازل، وأن الجذور تلتف بمواسير المياه مهما كان بعدها وتتلفها، إن إنتشار هذه الأشجار قد أعطى الأحياء جمالاً وأعطى الشوارع بهاء، وهي شجرة يمكن التحكم في أشكالها من خلال القص المتخصص ، إنني أخشى أن تكون هذه الدعوة لازالة هذه الأشجار مرتبطة بإسمها ، وأن جهات ما..لاتود لشجرة المؤتمر الوطني - كما تسمى - أن تنتشر ، فتُعمِّق في نفوس الناس المد الشعبي للمؤتمر الوطني. إنني وجدت البعض قد بدأ يستعد لازالتها فحاولت اقناعهم لكن وجدت أن دعوة الازالة قد تعمقت بصورة يصعب معها التراجع ، إني أخشى أن يستجيب الناس لهذه الدعوة المغلفة بدمار شبكة الصرف الصحي فتُزال هذه الأشجار التي أصبحت جزء من الخرطة الجمالية للعاصمة في مجال زيادة المساحات الخضراء والاهتمام بالتشجير ، إنني أخشى أن يؤول مصيرها إلى مصير شجرة المسكيت ، والتي أكدت الدراسات ضررها ، لذلك أرى أن تتم دراسة هذه الشجرة .. فوائدها وأضرارها إن وجدت .. ونشر الدراسة للناس ، فإن كانت إشاعة ضررها حقيقية فلنضحي بها ، وإن كانت لها بواعث أخرى فمزيداً من الاهتمام بهذه الشجرة سريعة النمو ، ظليلة الظل ، إن كبُرت جميلة المنظر ، إن قُصت مفيدة المهام في الحماية والسياج والضراء والسترة ، إنني أخشى أن تكون السياسة والمناكفات قد وصلت حتى للاشجار ومسمياتها والتجني عليها ، إنني أرفع صوتي لحماية هذه الشجرة من الاساءة وإن كان لابد فليستمر العراك السياسي بعيداً عن الأشجار ، خاصة وأن ميادين تلك المناكفات واسعة ويكفي ما بالصحف والندوات والتصريحات والقنوات.