تقرير منظمة الزراعة العالمية الذي نشرته الصحف السودانية خلال الأيام القليلة الماضية طرح أرقاماً لإنتاج الحبوب في السودان تثير الكثير من الأسئلة، التي أشارت إلى هبوط الإنتاج للموسم 2011- 2012م إلى ما دون المتوسط، وأكد التقرير أنه استقى أرقامه من الوزارة الاتحادية ومن زيارات ميدانية لبعثة المنظمة في نوفمبر- ديسمبر 2011م. ومضى التقرير إلى ما يؤكد أن ما أصدره يعني ما يقول، حيث طالب الدول بتقديم العون للسودان معيداً للأذهان مشاهد أواسط الثمانينات في السودان، حيث أطلقت نفس المنظمة نداءاتها حول مجاعة مرتقبة في السودان رغم نفي النظام المايوي، واتضح أخيراً أنها كانت محقة واضطرت الحكومة المايوية للاعتراف بعد أن حوصرت العاصمة من أطرافها الأربعة وأقيمت أحياء الكرتون بميادينها، فهل هناك أدنى احتمال لعودة تلك المشاهد؟! يرى محلل سياسي متخصص ولديه بحوث في مجال الاقتصاد الدولي أنه يستبعد عودة تلك المشاهد رغم إقراره أن هناك هبوطاً في إنتاج الحبوب، مشيراً إلى أن تقرير المنظمة استند إلى عجز الحكومة السودانية عن توفير النقد الأجني لاستيراد سلع غذائية بسبب توقف ضخ بترول الجنوب وفقدانها لعائداته من العملات الصعبة. التقرير لم يستند إلى أرقام حديثة ولم يضع في اعتباره وجود سلع أخرى يمكنها ضخ كم من العملة الأجنبية كافية لسد الفجوة الغذائية، وأضاف المحلل السياسي أن التقرير لم يشر إلى المخزون الإستراتيجي الذي يكفي لسد حاجة المناطق المتأثرة بشح الأمطار حتى بداية موسم الأمطار القادم في يونيو أو يوليو. ولم يشر كذلك إلى نجاح موسم القمح بصورة غير مسبوقة في ولايتي الشمالية ونهر النيل لتوفر أجواء ملائمة، حيث يتوقع حصاد إنتاج يساوي ثلاثة أضعاف ما أنتج في الموسم السابق مما سيوفر مئات الملايين من العملات الأجنبية التي كانت توظف لاستيراد القمح في السنوات الماضية وتحويلها لاستيراد الدخن أو الذرة إذا حدث عجز كبير. وأكد المحلل السياسي أن المعلومات المتوفرة لديه تشير إلى أن موسم الذرة لم يفشل في كل المناطق، فهو قد حقق نجاحاً كبيراً في النيل الأزرق وجنوب كردفان وجنوب دارفور والجزيرة والرهد، أي أن الوضع لا يشبه بأي حال ذلك الذي أدى إلى مجاعة الثمانينات في بعض المناطق السودانية البعيدة عن النيل، والتي كان سوء تصرف الحكومة المايوية سبباً في تحولها إلى «فضيحة» تنقلها كل الوكالات بعد موسمين من شح الأمطار في كل القارة الأفريقية. وتساءل المحلل السياسي إلى متى تعتمد الحكومة على الأمطار وحدها في إنتاج الغذاء الأساسي لمعظم الشعب السوداني، بينما لدينا أراضي شاسعة على ضفاف النيل الأزرق لا تتطلب أي إنفاق كبير لتحويلها إلى مزارع ذرة تكفي لسد حاجة كل السودان.. ويكون الإنتاج المطري للتصدير.. وقال المحلل إن الصحف أثارت هذا الموضوع عدة مرات واقترحت هذا الاقتراح إلا أن من بيدهم الأمر لا يرغبون في الاعتماد على النيل في ري الذرة؟! ü ويرى الخبير الاقتصادي الدكتور محمد عبد القادر بجامعة أفريقيا العالمية أنه لا يمكن الجزم بقدوم مجاعة في السودان أوعدم مجيئها ولا يمكن مقارنة الموقف بسنة «88»، لأنه لم يكن هناك مخزون إسترايتجي، لكن الآن الحديث الذي يدور عن وجود مخزون احتياطي، الأمر الذي يقلل من خطورة الحديث عن الفجوة الغذائية. وأشار عبد القادر إلى أن أسباب الفجوة الغذائية تعود إلى شح الأمطار والصراعات في تلك المناطق، وقال عبد القادر إنه يجب أن نقوم بخطوة استباقية تتمثل في إيلاء القطاع الزراعي الاهتمام الأكبر، وذلك بتغيير الحكومة أساليبها وانتهاج أساليب حديثة، حيث أن الحكومة لا زالت تعتمد على أساليب تقليدية إضافة إلى ضرورة حل المشاكل والصراعات في تلك المناطق الزراعية مثل النيل الأزرق وحلحلة المشاكل بين وزارة المالية وولاية القضارف كولاية زراعية منتجة.. وختم عبد القادر حديثه قائلاً إن الفجوة الغذائية تؤثر في الريف أكثر لأن نمط الغذاء في المدينة متغير أما في الريف فهو مرتبط بمحاصيل معينة، وكذلك فإن التأثير سيطال الثروة الحيوانية والمنتجات الحيوانية اللبن واللحوم، وعزا تأخر تفعيل النفرة الزراعية التي نسمع عنها منذ عامين إلى انشغال الحكومة بالمشاكل السياسية والصراعات الداخلية، إضافة إلى المناوشات مع دولة الجنوب. مشدداً على ضرورة الالتفات للقطاع الزراعي وتطويره وزيادة الرقعة الزراعية.. وزيادة التركيز الذهني في مسألة الفجوة الغذائية يصب في صالح أجندة خارجية لا يهمها مصلحة السودان، وربما أدى إلى انقسام المعارضة الشمالية نفسها بين مؤيد ورافض لهذا التنسيق الذي يرى أنه وسيلة غير مشروعة لإزالة النظام ويضر بالبلاد. ü وكشف الوزير د.عبده داؤود وزير المالية بشمال دارفور عن توفير «225» جوالاً من الدخن يمكن أن تكفي حاجة الولاية، وأشار إلى خطوات كبيرة تم قطعها في طريق زيادة الإنتاجية، وقال إن الولاية الآن خرجت من مرحلة التدهور الاقتصادي إلى منصة التعافي والانطلاق. }}