على الرغم من أن وزارة الزراعة أكدت أن احتياطي السودان من المخزون الاستراتيجي والمخزون التجاري أعلى احتياطي، إضافة إلى وجود مخزون تجاري واستراتيجي مع الكميات المستوردة من القمح ليصبح ميزان الحبوب أكثر من خمسة ملايين طن، إلا أن التقرير الصادر عن «الفاو» الشهر المنصرم، يقود الى القلق والتوتر، مبيناً أن شح الأمطار في بداية الموسم الزراعي خفض إجمالي المساحة المزروعة وتسبب في انخفاض العائدات من القطاع المطري. كما أكد مسؤولو وولاة بعض الولايات وجود بوادر فجوة غذائية. ويرى الخبير الاقتصادي الدكتور التيجانى الطيب أن الفجوة الغذائية قد لا تكون على مستوى القطر ككل، وهناك احتمال بأن الولايات المنتجة للغذاء اقل تأثراً من الولايات الأخرى، خاصة التي تعاني عدم الاستقرار الأمنى، لكن على حسب تقرير وإفادات الفاو فإن السودان يعاني فجوة غذائية، وأن المعلومات منتقاة من جهات رسمية حكومية، ناصحاً الجهات المختصة إذا كانت هذه المعلومات غير صحيحة، بأنه من باب الأولى بأصحاب القرار أن يدحضوا هذه المعلومات، وليس بالإعلام المحلى وإنما عبر الاتصال بمنظمة الفاو نفسها، وتصحيح المعلومات إن كانت خاطئة، ومطالبتها بإصدار فى هذا الإطار، أما إذا كانت المعلومات صحيحة فالأولى أن تملك الجهات المختصة المعلومة الصحيحة للرأي العام، وأن تبدأ فوراً في اتخاذ ما هو لازم لسد الفجوة تجنباً لأية انعكاسات معيشية وسياسية إذا ثبت أن هنالك فجوة حقيقية، وأن تقوم الجهات المنوطة بالمخزون الاستراتيجى باتخاذ التحوطات اللازمة كالاستيراد لسد الفجوة. ويذكر أن تقرير الفاو قد أشار إلى أن آثار فقر المراعي وعدم التيقن من إمكانية الوصول إلى مراعي جنوب السودان تسببت في هجرة بعض قطعان المواشي المبكرة على غير العادة، وقبل مواعيد الحصاد مما أدى إلى تدمير المحصول، موضحاً أن انعدام الأمن قد فاقم المشكلة من خلال تعطيل الأنشطة الزراعية العادية. وقدر التقرير مجمل حصاد الحبوب في السودان بحوالى 2.77 مليون طن تشمل 2.08 مليون طن من الذرة، و 0.36 مليون طن من الدخن، وكميات قليلة من القمح والذرة الشامية والأرز. وتوقع أن يكون محصول الدخن فقيراً خاصة في الأجزاء الشمالية من ولايات شمال دارفور وشمال كردفان، وأكد التقرير أن هناك حاجة لزيادة الواردات من الحبوب في وقت يعاني فيه الاقتصاد السوداني ضعف عائدات النقد الأجنبي والصعوبات المالية، مشيراً إلى ضرورة استيراد 0.98 مليون من الذرة حتى تصل إلى 200 الف طن إذا سمح المخزون الاستراتيجي. وقدر متطلبات القمح والأرز التي يجب تلبيتها بالمستويات العادية للواردات التجارية بحوالى 1.55 مليون طن و49 الف طن على التوالي. ورجح أن ينفد المخزون الغذائي الكافي لمعيشة الأسر في وقت مبكر بكثير من المعتاد، مما سيؤدي إلى زيادة أخرى محتملة في أسعار المواد الغذائية. ولكن وزارة الزراعة تؤكد أن إنتاج الحبوب في السودان في مجمله سيكون مساوياً لمعدل إنتاج الحبوب في العام قبل الماضي، وفي العام قبل الماضي كان إنتاج الذرة على الاقل أكثر قليلاً من مليوني طن، وهذا العام يقدر بأكثر قليلاً من مليون طن، لأن العام الماضي كان إنتاج الذرة فيه قرابة خمسة ملايين طن. وما بين تقرير المنظمة العالمية للغذاء وحديث الوزارة باتت الرؤية غير واضحة بأن هنالك فجوة غذائية أم أن المخزون الاستراتيجى يكفى احتياجات البلاد، كما زعمت وزارة الزراعة أن المخزون يكفي احتياجات السودان التي كانت قبل الانفصال تتراوح بين أربعة إلى خمسة مليارات طن. وفي اتصال هاتفي قال وزير الزراعة بالولاية الشمالية عبد الفتاح عبد الله طه إن الولاية الشمالية لا تعتمد على الذرة بوصفه محصولاً أساسياً للغذاء، وانما تستخدمة علفاً مقارنة بالولايات الأخرى، وهى ليست من الولايات المتأثرة بالفجوة الغذائية، مبيناً انه منذ استلامه الولاية ليس بها مخزون من الذرة، لكنه كشف أن الذرة منذ الموسم الصيفى القادم ستكون محصولاً رئيساً بجانب المحاصيل الاخرى التى تقوم الولاية بزراعتها. ومن المعروف أن الذرة والقمح هما من المحاصيل التي تشكل غذاءً رئيساً لغالبية السكان قبل الانفصال، حيث كانت الولاياتالجنوبية أكثر استهلاكاً للذرة باعتبارها غذاءً أساسياً. ويبين تقرير المنظمة الدولية إن أرخص نوع من الذرة «الفتريتة» بلغ سعره 300 دولار أميركي للطن في نوفمبر عام 2011 في معظم أسواق الجملة، مرتفعا من حوالى 220 دولاراً في أغسطس 2011م، بينما تراوح سعر الدخن بين 550 600 دولار للطن في نوفمبر، مرتفعاً من 400 450 دولارا للطن في أغسطس، وتوقع تواصل ارتفاع السلع الأساسية على حد سواء خلال موسم الجفاف الطويل حتى موعد الحصاد التالي في نوفمبر/ ديسمبر 2012م، لكن وزارة الزراعة أكدت أن لديهم ما يكفي من الحبوب عدا القمح.. وأكثر من ثلاثة ملايين طن من الحبوب انتاج محلي، وهو مخزون استراتيجي، اضافة الى استيراد يصل إلى قرابة المليون وسبعمائة وخمسين ألف طن من القمح، وهذه تكفي احتياجات السودان التي كانت تتراوح قبل الانفصال بين أربعة إلى خمسة مليارات طن، كما أن لديهم أربعة إلى خمسة مليارات طن موجودة في السودان، وأغلب الذرة في المناطق الجنوبية «ولاية النيل الأزرق والنيل الابيض جنوب كردفان جنوب درافور» تذهب الآن إلى الجنوب، وليست هناك من مشكلة كبيرة، كما أن الدولة تصرف على الموسم الزراعي «500» مليون دولار تذهب «100» مليون جنيه منها إلى مشروع الجزيرة و «50» مليون جنيه للمشروعات المروية الأخرى. وأن المدخلات الزراعية يقدر لها أن تصل إلى «300» مليون دولار في الصرف الحكومي الرسمي. وفى ذات السياق قال أستاذ الاقتصاد بجامعة الأحفاد السمانى هنون إنه فى الوقت الذى يتوقع فيه الجميع أن يكون السودان ثالث دولة فى العالم يوفر الامن الغذائى بجانب استراليا وكندا، تراجع دوره بأن يكون دولة تعاني نقصاً حاداً في الغذاء خاصة الحبوب الغذائية، وهذا ما أكدته منظمة الاغذية العالمية التى اقرت بتراجع حاد فى انتاج الحبوب قد يصل 50% مقارنة بانتاج الاعوام الماضية، وهذا يقودنا إلى وجود ندرة وشح فى المعروض من الحبوب الغذائية المختلفة كما هو الحال فى شمال كردفان ودارفور والشرق، مبيناً أن الناس داخل العاصمة تعاني شح المعروض وارتفاع الاسعار فى اسواق الذرة، فهذه الفجوة تشكل مشكلة للبلاد فى الفترة القادمة ما لم تتخذ إجراءات عملية وفاعلة لترجمة برامج النهضة الزراعية الى واقع معاش، اضافة إلى محاربة الفساد فى المؤسسات الزراعية وبناء استراتيجية متكاملة للامن الغذائي تستند إلى التجربة السابقة بالعودة إلى المشروعات الزراعية الاستراتيجية مثل مشروع الجزيرة وجبل مرة وطوكر والقاش وغيرها، بحيث يلعب السودان دوره الطبيعي باعتباره ثالث دولة مسؤولة عن توفير الأمن الغذائي على مستوى العالم، وخاصة في ظل التغيرات المناخية المتسارعة التي يشهدها الكون. وأضاف هنون أن السودان يحتاج إلى حزمة من التدابير والاجراءات لإحداث نهضة زراعية حقيقية بألا تعتمد على النمط السياسى فى الاستهلاك اليومى الذى نسمع به فى وسائل الاعلام المختلفة، لذلك لا بد من توفير مصادر تمويل رخيص للمنتجين فى القطاع الزراعى، اضافة لتوفير مدخلات الانتاج ليست «كالاسمدة الفاسدة» وتوفير المعرفة والتدريب وبناء القدرات فى القطاع الزراعى وتحديدا فى مجال الحبوب الزراعية والصمغ العربي، وغيرها من السلع الاستراتيجية ذات البعد الاستراتيجى التى تمكن السودان من الدخول في الأسواق العالمية، وتغيير الصورة المشوهة بالنسبة للسودان بوصفه دولة مصدرة للأزمات والمشكلات، إلى دولة مصدرة للسلع التي يحتاجها العالم.