1 كتب إلى صديقه في الوطن يبلغه أن جريدة «المستقبل» التي يتعامل معها ، تتعامل معه في غربته البعيدة الطويلة وكأنه في عداد الأموات فهي كما يقول جريدة عديمة الإحساس لا تعرف مدى إرهاق الكاتب ونزف وجدانه وأحباره كضريبة لإبداعه وحرصه على أن تظل جريدته في مستوى نوعي راق من المساهمات. إنها في تقديره جامدة الإحساس لأن إحساسها به قصير وعابر ووقتي. إنه كما يقول يحبها ويجلها ويعتبرها معبرا بينه وبين الوطن. قال في شكواه المريرة: أزورهم في رحلاتي الخاطفة إلى الوطن فلا يحفلون بي وكأنني أمر على أحد أضرحة الموتى، يقدرّون كتابات من يلاحقونهم في المكتب المالي يوميا ويحررون لهم صكوك المال تحريرا... إثابة... ومجاملة وتقديرا. ذكر فيما ذكر أنه صادف أحد الكتاب الذين صنعتهم الصحيفة في المكتب المالي بجلباب مرقط وسيجارة في يده وكوب شاى يسوّد بعض الصفحات للدفع به لصفحة ما ثم يخرج مسرور الخاطر بأياد لا تعرف التجاهل. نصحه صديقه بألا يزيد سقف توقعاته رفعا في زمن إنعدم فيه إحساس الناس يبعضهم البعض. نصحه صديقه أن يكتب إلى الجريدة في صفحتها الفنية تحليلا فنيا يبين كيف أنه ذات مرة استمع إلى تعليق فني من معلق فني أمريكي في مهرجان الأغنية العالمية أن أغنية الكاشف فنان من أفريقيا سالب فؤادي تعد في تصنيفها من أفضل أغنيات فن الأداء «الرقّي».فكر وقدر وعدل عن هذه الفكرة فكتب إلى رئيس تحرير جديدة المستقبل رسالة«إيميل» قصيرة جمعت بين خواطره المرهقة ومحبته للكاشف ورئيس التحرير وجريدة «المستقبل». في الصد تزيد في خبرتك في الحب أزيد في خبرتي دايما أردد ذكرتك هل مرة بحت بذكرتي 2 على رصيفه البعيد ، استلم ذات يوم من البريد رسالة شكر وتقدير من مجلة عربية عريقة ومرموقة ترجع صلته بها إلى أيام الدراسة الأولية ومع أنه تعود كتم أوجاعه المالية في كبده كبعير محزون، فقد حملت الرسالة صكا ماليا لا بأس به من المجلة. قبل ذلك بأيام كان يناقش مع طلابه مشكلة الغذاء في العالم فتذكر تناول تلك المجلة في عدد من أعدادها في الستينات عبر نظرة مستقبلية نافذة ونفاذة تلك المشكلة وأوردت في ذلك عبارة لا زال يتذكرها «حبتان تسيطران على طعام الإنسان في العالم ...حبة أرز وحبة قمح». تذكر أنه كتب قبل شهور تحليلا جغرافيا وتاريخيا للكاتب الأمريكي إستاينبك الذي عاش في المنطقة التي اغترب إليها مزينا مقاله بصور جذابة وإفادات معمقة عن الكاتب. تذكر عطلته الأخيرة في الوطن وزيارته لوزير الإعلام وفي حقيبته عدة مقالات دفع بها إلى بعض الصحف في ولايته التي ظلت تكتب الكثير من قصص الزيف عن الوطن.تذكر أنه لم يجد معالي الوزير الذي تربطه به صلة قرابة وربما زمالة دراسة. الوزير يومها كان مشغولا باجتماع فترك له مقالاته مع كلمات رقيقة ورقم هاتفه و أختفي في شوارع المدينة. كان يوم عودته إلى مغتربه حافلا بالتأملات منها الخشن ومنها الناعم. مع ارتفاع الطائرة شاهد المياه والحيضان وبنايات المدينة ومساجدها وساحاتها ، حاول زجر دمعاته فما أستطاع. وجد أنه يطير بعيدا محلقا في المجهول بينما تتبعثر ذكرياه في هذه المدينة كأوراق ذوت والريح تذري!!.استرخى في مقعده وخلد إلى نوم عميق بعد أن استدارت الطائرة نحو البحر الأحمر وانطلقت شمالا لأحضان أوروبية قبل إنعطافها غربا نحو المحيط الهادي.مضيفة حسناء توقظه بلطف لتناول وجبته فأعتذر بلطف مماثل ليواصل إغفاءة لم تكن لتتاح له أبدا أثناء عطلته.أمامه سيدة بدينة كان لها شخير منغوم وهي تتمدد تجاه المقعد المجاور الذي فاض إليه جسمها المترهل.تذكر الرجل ذي الجلباب المرقط في مكتب جريدة «المستقبل» المالي ومعالي الوزير الذي أفتقر الى ذوق المجاملة ورد التحية وتذكر أن معاليه سقط اسمه من كشف الوزارة الجديدة فتحول إلى رجل لايؤبه به في رمشة عين. .توصل إلى أن سلوك معالي الوزير يشبه سلوك الطاقم التحريري لجريدة المستقبل...دم ثقيل وبرودة إحساس وعدم فهم لرسالة الإعلام والكتابة.. فكر وقدر محاولا رسم سياسة جديدة ترفع عنه ظلم الجرائد والمقالب والمكائد فقرر إعادة بعث مؤسسته الصحفية مقررا أن يكتب فيها ما أراد ويفتحها لكل مبدع يسيل حبر الوطن من دمه وجعلها دارا كدار النجاشي لا يظلم فيها أحد!! تذكر أن بإمكانه صناعة دار صحفية وكتابة ما شاء على صفحات مطبوعاتها لكنه لا يستطيع تفهيم وزير الإعلام لعمله أو تزويد وجدانه ببعض الحرارة في وطن مرمي تحت الشمس للقيلة ضلية كما يقول صديقنا سيد أحمد الحردلو أو تزويد العالم بذوق وإحساس هو في أشد الحاجة إليهما!!!