في عز الليل.. وأنا لا أتحدث أبداً عن رائعة التجاني حاج موسى.. وحتام نساري النجم في الظلم.. ولا حرفاً واحداً عن بكاء وأنين وشكوى ذاك الشاعر الفحل المتسول المتنبيء.. وسهران والكون كله في صدر الليل نايم.. ونحن أبداً لا نقترب مقدار بوصة واحدة.. من سرير الأنيق البديع إبراهيم عوض.. وهو يشكو من السهد والسهر.. وخيال الحبيب.. بل بعد الحبيب.. أو حتى جفاء الحبيب.. أو خصام الحبيب.. وتلك «الحسادة» من أبو خليل لكل قاطني الكون وهم يغطون في نوم عميق.. وهو الوحيد.. سهداً وبكاء وسهراً.. طيب ما الأمر.. و«شنو الموضوع».. هذا حالي أنا.. وهذا ما أحكيه أنا.. وذاك الفرح المعربد.. الذي أعيشه.. بل أعوم في روعة بحاره وأنهاره في «أنصاص» الليالي.. وتلك الساعات الباذخة التي أعيشها وعيوني مفتوحة.. وقلبي «شارعاً» أعرض من عرض محيط أو وطن أتقافز من «إذاعة» إلى «إذاعة» أغرق نفسي حتى آخر سبيبة في رأسي.. في قارورة عطر إذاعة البيت السوداني.. تهزني حتى البكاء نشوة وانتشاء وتقافز مرحاً محبوراً.. أغنياتها الذهبية.. أبكي في فرح.. مع محجوب سراج.. وهو ينتحب.. ليه بتسأل عني تاني بعد ما شلت الأماني.. استريح قليلاً في هذه الدوحة البهيجة.. حتى تتلقفني الفارعة الفاتنة.. لمياء متوكل.. وفي كلمات كالفراشات المجنحة.. تغزل عقوداً من الأسئلة وتمطر الضيف بسحابة حبلى بالمطر هيمانة تحلم بالخريف.. والأذن تعشق قبل العين أحياناً.. وصوت ملائكي.. يسري كما الأنغام عبر الأثير ينطلق.. بل ينزلق في روعة من سارة مهدي.. وأيضاً يهدد كل مستمع.. بل يحلق مع المجرات البعيدة كل مستمع.. عندما تكون خلف الميكرفون سلمى عبد الرحمن.. وحتى لا أغرق.. في قارورة العطر البهيج أم درمان إف.. إم 100.. أعوم وسط أمواج نهر العطر.. وتكون شوكات الساعة قد تعانقت عند الثانية عشرة «نص الليل».. ثم أعد زينتي وأنا مستلقٍ على السرير وكلي يعبق عطراً.. وأريجاً.. لأدخل بستان «ساهرون» الباسق الأشجار المثقلة بالثمار.. وعلى روعة العشب الأخضر.. أركض حافياً.. وتماماً كنحلة دؤوبة أرشف من رحيق هامات الأزهار.. على باب الحديقة.. وتماماً.. من تحت التعريشة التي تتسلقها في الحاح.. تلك الشتلات المرهفة.. والمترفة.. يستقبلني زهير بانقا.. يقودني إلى الأركان المبهجة.. حيث الرائع.. الرصين.. البديع من الغناء.. أعود إلى تلك الأيام المزهوة.. التي أطربنا فيها حد الفرح والوجع.. ويا لروعة الوجع عندما يكون مصاغاً من بهيج الحروف وأنيق الألحان.. يأتي بازرعة.. ومعه عثمان حسين وهما في صحبة «الشاطيء» وظلم وإنكار الحبيب.. والسؤال المدوي كما الرعد.. والبرهان الساطع كما الدليل أوالشاهد أمام منصة القضاء.. وسل الشاطيء ألم كنت ألقاك دواما.. يقودني زهير إلى «قسم الشرطة» لا يفتح لي بلاغاً بل ليفتح لي كتاباً أشهد إني لم أر مثله روعة ووثائق وتوثيقاً وتاريخاً عن الشرطة.. يرويه في تدفق وسلاسة نجيب محفوظ الجنرال المثقف الموسوعة التي تسعى على قدمين.. هو اللواء أحمد المرتضى أبو حراز و«بالقوة» ينتزعني زهير وأنا لم «أشبع» بعد من دسامة وفخامة مائدة أبي حراز.. ليسلمني إلى الوزير الذي أضاعته الإنقاذ.. ونحمد الله إنها أضاعته حتى لا أرى فيها بعده شيئاً جميلاً.. ثم تبهر عيوني المصابيح.. بل تعشى عيوني قوة إضائتها.. تلك التي أشعلها وغمز مفتاحها السموأل خلف الله.. لأنهض من «رقدتي» وأطل جالساً في قلب السرير، وأنا أنهل من ذاك الضياء.. مصابيح الهدى.. عندما كانت الساعة الثالثة صباحاً.. وأدير المؤشر.. لأجد.. المساء 101 وتلك قصة أخرى.. أحكيها بكرة..