إذا كانت مشكلة الساعة في السودان هذه الأيام، هي الحديث بصوت مرتفع عن محاربة (الفساد والمفسدين)، والمؤتمر الوطني يحذر ويتوعد (عضويته المتفلتة) ويشدد على أسلوب المحاسبة الرادعة لكل عضو يتفرد بالقرارات على مستوى المركز والولايات... فتعالوا ننظر في قرارات محلية (ود بندة ولاية شمال كردفان)، فهناك أخبار تناقلتها محليات شمال كردفان مفادها أن محلية ود بندة تعاني عجزاً كبيراً في ميزانيتها تحاول ترميمه من خلال بيع منازل المواطنين في إدارياتها.. وبالفعل بدأت (بإدارية أرمل) تحت غطاء مسمي (تخطيط المدن) وقد كُلف بها الضباط الإداريون الذين سارعوا إلى أرمل وقاموا بالزحف على المنازل المجاورة للسوق، وتقسيمها إلى دكاكين وبيعها للتجار والقادرين على الدفع، والقادمين من القري المجاورة، الذين جرت أموال التعدين عن الذهب في أيديهم، وبعض المسؤولين في الإدارة الأهلية والشعبية الذين جمعوا السلطة والنفوذ إلى جانب القدرة المالية.!!! والحقيقة أن هذه الدكاكين الجديدة هي في الأصل جزء من المنازل المجاورة للسوق، وملاكها هم أهل أرمل الأصليين من الوراث والمساكين والأيتام والأرامل، امتلكوها منذ قيام «أرمل» في بدايات القرن الماضي.. وتطورت أرمل هذه حتي إصبحت إدارية اليوم وتستحق أن تكون محلية أكثر من ود بندة. وهذا وقد حددت لجنة ما يسمى بالتخطيط شهر فبراير من هذا العام، إنذار لمواطنين (السكان) لاخلاء منازلهم لهدمها وتسليمها للملاك الجدد بعقودات الملكية الجديدة !!! نحن نقر بأن الحيازة السليمة للسكن للتخطيط هي الأساس لانسياب الخدمات الضرورية من طرق ومياه وكهرباء وتعليم وصحة، وهي أساس المدنية والحضارة.. وإذا كان الأمر كذلك فإن هذا ما هو حادث بالضبط في أرمل، من تخطيط منذ قيامها في القرن الماضي، حيث حضر كبير المفتشين الانجليز من مركز النهود عام 1940م ففتح الشوارع من الشمال والشرق والغرب بعرض 40م من الشمال إلى الجنوب، وهذه الشوارع مازالت موجودة كما هي حتى اليوم، لكن تخطيط المحلية الجديد أراد تضييق هذه الشوارع وإضافة المنازل المجاورة للسوق للتخطيط، وهو سبب المشكلة اليوم وفي عام 1978م جاء مساح من ود بندة واسمه عثمان حسن، مكث ثلاثة أسابيع ونظم الشوارع، وثبت القائمة أصلاً حول السوق، والتي هي أساس المشكلة اليوم، ولم يغير كثيراً في خارطة المفتش الانجليزي عام 1940م. وعندما غمرت السيول والأمطار أرمل من الجهات الثلاثة عدا الجهة الغربية، كلفت المحلية مسؤولها الأول عن الصحة العامة «بدوي أحمد حمدان» وهو من أبناء أرمل العارفين «بشعابها» بدراسة الحالة بعد الفيضان، ورفع تقرير كامل وشامل للمحافظ، فالذي بدوره كلف كبير المهندسين بأخذ صورة بكاميرا فيديو لغرق «أرمل» وعلى ضوئه أرسل المحافظ تقريراً شافياً إلى مدير التخطيط العمراني بالولاية، والذي وضع بدوره كافة المعالجات وذلك بإلغاء كل الحجوزات التي عملت وإبقاء «الشفخانة» كما هي دون زيادة أو تمدد، على أن «تصغر» مساحة السوق وهو بيت القصيد حتي لا يتضرر السكان الأصليين من حوله. وذلك كله بصورة للمساح وصورة للضابط الإداري بودبندة بتاريخ 1/3/1994م.. وقد رد محافظ النهود مؤمناً على ذلك، وأضاف بأن أرمل منطقة منخفضة تغمرها السيول والأمطار كل خريف، وينبغي أن ترحل إلى موقع مرتفع آخر.. والجدير بالذكر أن الأخ والى شمال كردفان ميرغني زاكي الدين عندما زار أرمل وجدها عبارة عن بركة مياه غارقة، ودخلها من الجهة الغربية المنفذ الوحيد.. لأن أرمل كما هي معروفة عبارة عن «شبه جزيرة» تحيط بها المياه من كل الجهات عدا الغربية.. وتصلح أن تكون منطقة سياحية.. فهي ترقد على أحضان «جبل المكسم» الشامخ وتحدها من الشرق غابة من أشجار السنط الخضراء الباسقة، «ومياه التردة» من تحتها طوال فصل الخريف حتي شهر مارس، وتعج بها الطيور والأوز الضخمة المهاجرة من دول أوربا وهي توأم ورديفة «لواحة البشيري» بكردفان. مما تقدم من سرد فإن محلية ودبندة لم تنظر ولم تعطِ اعتباراً لخطاب محافظ النهود إلى سكرتير لجنة التخطيط العمراني بولاية شمال كردفان بتاريخ 1994/3/1م بالنمرة 63/أ 1 والذي حدد خريطة أرمل المتفق عليها جميعاً، كما لم تنظر إلى رد إدارة التخطيط العمراني الذي أكد وأمن على كل المقترحات في خريطة أرمل بتاريخ 5/1994/3/5 بالنمرة 63/ ب /5 /3، ولا بتخطيط مفتش مركز النهود الانجليزي عام 1940م !!!، وإنما ضربت عرض الحائط بكل تلك الوثائق من المختصين في هذا المجال، نقولها بالصوت المسموع.. إن وقف الفساد والمفسدين ينبغي أن يكون بكل اشكاله ومواصفاته... تلك الناتجة عن استغلال النفوذ والسلطة والسطوة في بيع الأراضي ومنازل المواطنين... قبل الاعتداء على خزينة الدولة وسوء الإدارة، واستغلال النفوذ والمحسوبية واختلاس المال العام.. فالإنقاذ عندما جاءت لإنقاذ الشعب السوداني من كل هؤلاء واولئك.. أظنها مفهومة. قبل أيام قليلة وفي محلية «ود مدني» تجمع آلاف المواطنين وهتفوا ضد قرارها إزالة 1000 دكان وهتفوا .. «دكاكينا مقابرنا» حرية التعبير حق.. معنى ذلك أن كثيراً من المحليات تؤلب المواطنين ضد الإنقاذ بقراراتها الخاطئة «طابور خامس». لموضوع مواطني أرمل محول إلى سيادة الوالي زاكي الدين بولاية شمال كردفان.. لأن إدارية أرمل ومحلية ود بندة مسئولية الوالي لانصاف هؤلاء «بالغاء» قرار بيع المنازل والتخطيط الدائري الجديد الغاءً نهائياً، تمليكهم بقرار واضح وصريح وتعويضهم مادياً وعينياً التي باعتها المحلية عام 1993م، وفتح تحقيق للذين أخذوا دكاكين بالمجان لخاصتهم واستغلال النفوذ والسلطة والظلم ظلمات يوم القيامة. وسؤال يا سادة المعتمد والوالي وكل المسؤولين في الدولة، ماذا كنتم فاعلين لو كانت هذه المزارع والمنازل التي بيعت تخص أحدكم؟! ناهيك عن اولئك الغلابة البؤساء. أخي الوالي ميرغني زاكي الدين بالأمس استطاع سيادتكم حل مشكلة أراضي «بارا» العصية المزمنة.. وبنفس «الاريحية» هذه مشكلة مواطني أرمل فوق طاولتكم.. نذكرك أخي الوالي أن مجموعة من أهل أرمل افراداً وجماعات تقدموا بشكواهم إلى سيادتكم في هذا الموضوع، نتمنى أن تكون قد وصلتك وليست لديك سلة مهملات، وسوف أحمل اليك هذه الصحيفة لعلها لم تصلك. ولعل هذا الموضوع يقودنا إلى ما سطرته الزميلة الصحفية «صباح محمد الحسن» بصحيفة المشهد الآن في عمودها الساخن بتاريخ 17/12/2012م حيث تقول: تمنيت أن يخرج المؤتمر الوطني عن المألوف وبدلاً من عبارة «المحاسبة الرادعة تأتي عبارة السجن والغرامة» ولو جاءت كذلك لكانت أنسب بكثير.