كنت وحدك في تلك المدينة النائمة على غباشة الضباب الصباحي ، تنهض من غفوة النوم وتتمطى كقط كسول يبحث عن واحة الشمس ، تحس بنقرات عصفور نزق على إطار الشرفة المستغرقة في الثبات ، تطلق آهة من نافذة القلب المرهق . ياالله هذا العصفور المشاغب يضبط ساعته البيولوجية مع ساعة خروجك من نفق الليل ، إعتاد أن يصدر صوصوة مثل نائحة في عشية مسكونة بالريح وبكاء الأشجار ، يوميا يطلق العصفور أحزانه المكبوتة في ملاءة الوقت ، يوقظك من ثبات الليل ، في تلك اللحظة تتحسس نظارتك تفرك يديك في حركة بهلوانية ، وتكرع كوب من الماء الفاتر الممزوج بالعسل الحر ، تخرج وأنت تجرجر أقدامك نحو سيارتك ، تدير المحرك ، تمتد يدك نحو أزرار المذياع ، ينطلق للتو صوت مذيعة تحاول أن تتصالح مع جوقة المستمعين ، كانت توزع ضحكاتها المعلبة في مدى الأثير الفاتر وتتحدث عن ضرب النساء للرجال ، يتواصل الصوت الأثيري وتطلق مقدمة البرنامج الصباحي ضحكة مثل يمامة هاربة على جناح النسيم ، يغازلها على الهواء مباشرة صوت أجش شبيه بخوار ثور في بيدر الصيف ، المذيعة اللئيمة بنت الجنية تخرج من مطب مغازلة المتلقي الخبيث وأسئلته الناشزة مثل غيمة بيضاء لم تعبر في فضاءات المدن الهرمة .تستقبلك زفات من نسيم البحر ، وتلمح أشجار الشوارع تشرب القهوة على إيقاع أزيز السيارات ، تستعيد من كراسة الذاكرة المجهدة بقايا أمسية في نهاية الإسبوع ، أمسية عشت فيها حفلة دكاكينية أحياها فنان ، يبحث عن أرجوحة تنقله إلى خانة الضوء ، في تلك الليلة شدا المطرب الخجول بأغنيات خارجة من شباك القلب ، أهدى لك أغنية بطعم الحزن والتفاصيل الأليمة ، تضحك حينما تتذكر أن هناك رابط مثل رفيف الغيم يؤطر مشاعرك المنطفئة مع تلك الأغنية ، أغنية من خصوصياتك العامة دهمت القلب حينما كان العمر سامقا مثل فرس جموح ، أغنية تتحدث عن الغربة والمطر ، والعشيات الهاربة ومحطات الرحيل وتقاسيم الوتر الجريح ، نص ما زالت ذكرياته طازجة على عتبة القلب ، وناهض مثل شجرة تتحدى عاتيات الريح ، تتذكر أنك هربت ذات مساء خريفي لترنيمة الدنيا ليل غربه ومطر ، هربت من منزل طيني بابه مشرع على فسحة باهته ، تعج بصراخ الصبية حينما تعبر شمس الصيف عتبة الظهيرة ، هربت بعد أن مزقت آخر فاتورة بينك وبين منزل شهد يومياتك ، جنونك ،عشقك ، سهرك وركضك خلف صبيات هربن من نفاج القلب إلى مسارات أخرى ، هربت في عشية ماحقه وتركت في الأدراج الموحشة بقايا أوراق لأيام هاربة من دهليز العمر ، وآآآآآآآآآآآآآىه يا عمر .