حبيبنا عبد الماجد السر وتحايا كوابل مطر.. وودّ كرحيق زهر.. وأراك تعيب علينا.. بل تعيرنا بدموع تدفقت من مآقينا نحيباً ونواحاً على ذكرى ثقافة وطن... ودعني- صديقي- أن أخبرك شيئاً.. أنا كنت استمتع حد السادية بكل بكاء.. عنترة وهو ينوح على ديار عبلة.. أزهو وأتيه بحروف.. أو دموع ذاك الذي يناجي أطلالاً كانت في ظلالها.. معقل الآمال ومحور الأفكار وهو ينتحب.. قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل.. كنتُ أستمتع حتى «القيف» بتلك الحروف المكتوبة من محبرة النزيف.. و«مشكلة» بطوفان الدموع.. تدهشني حد «الطرب» تلك «الجرسة» المنظومة بحروف مغزولة من صفق الورود.. رغم أني لست «شريراً» ولكن تدهشني أناقة العبارة وروعة المفردة.. وثراء أبيات القصيد.. الآن فقد أدركت معنى الرحيل والفراق والبعاد.. وشاقك ظعن الحي حين تحملوا فتكنسوا قطناً تصر خيامها.. أدركت كم هي «حارة» موجعة.. عندما تكون الدموع بكاءً على وطن.. وعندما يكون الوطن بكل إدهاشه وروعته ونبله.. وزهوه هو السودان.. وحتى تطمئن صديقي عبد الماجد.. وحتى يطمئن إخوانك في «الانقاذ» نحن لا نبكي إلا على «الثقافة» ، تلك التي دفنها الأحبّّة في مقابر أحمد شرفي أو البكري أو الصحافة.. أو حتى فاروق وأهالوا عليها أكوام التراب.. لن نتحدث عن قسوة الحياة وغلاء الأسعار.. حتى لا يصفنا الأحبة بالمخذّلين.. والطابور الخامس.. لن نتحدث عن كساح التنمية.. حتى لا يهتف في وجهنا أحد.. الرد.. الرد.. الرد بالسد.. وطبعاً لن نتحدث عن تبخر بحيرات تزكية المجتمع.. والتي طارت في الفضاء كما الدخان.. حديثنا فقط بل هو بكاؤنا فقط عن الثقافة تلك التي كانت مروجاً من الخضرة ورياضاً من الأزاهير.. ورذاذاً من روعة العشب الأخضر.. وتعال معي ومعك كمية من المناديل بل أمتاراً وأميالاً من «البشاكير» علّها تجفف عيون وطني الجميل.. نبكي صديقي.. على أطفالنا وغنائهم السعيد.. عندما كانوا ينشدون في براءة :«شوفو دنيتنا الجميلة».. وانظر لتلك الشجرة ذات الغصون النضرة.. وفجأة مع إعصاركم يا صديقي.. وفي بواكير هبوب عواصفكم.. يتحول ذاك الغناء الطفولي السعيد إلى..«أنا ماشي نيالا».. أهي.. أهو.. أهي..«وفي إيدنا رشاس في إيدينا خنجر».. ونبكي يا صديقي.. ومولانا الطيب.. عندما قاد التلفزيون.. قيادة مقاتلة من طراز «الميج» ، إستل سكينه تلك الحادة.. وذبح فارع وبديع الغناء من الوريد إلى الوريد.. أغتيلت «كسلا».. وذُبحت ليل وكأس وشفاه.. ورحلت أرحل.. وهاجر وردي.. واعتكف عركي.. ومات «العميري» واحتجبت تلك النجوم الزاهرة والساهرة.. وصار نجوم وطننا.. هم طه.. وأولاد الصادق.. وسفيرتنا الفنية فوق العادة لخارج أسوار الوطن.. هي ندى.. ونبكي يا عبد الماجد.. رحيل ذاك الزمان البهيج.. وكيف كنا نحتشد على ضفة النيل الغربية.. وعيوننا وقلوبنا ترحل إلى خشبة المسرح.. حيث المتعة والعظمة والجمال.. حين تكتمل عيوننا بصاري مركب المسرح.. مكي سنادة.. والمنضرة وخطوبة سهير.. والدهباية.. وكوكبة.. تنافس في ثقة أبطال خشبات كل مسارح الإخوة في شمال الوادي.. وهل ننسى.. تلك الليالي.. التي أزعجت بل وأرعبت «نميري» والشعب يخرج بعد كل عرض من المسرح وهو يزرع الفضاء بالهتاف الذي يشق عنان السماء.. للحرية والانعتاق.. وذلك بعد أن «يحقنه» هاشم صديق.. «بكبسولات» تنشيط الوطنية.. ومضادات تكافح الضعف واليأس والارتخاء من صيدليته الرهيبة «نبتة حبيبتي».. ولماذا لا نبكي.. وأمر ثقافتنا ودرب غنائنا صار بيد مولانا وشيخنا دفع الله.. هو الذي يأمر بقفل الأبواب.. أبواب الوطن أمام شيرين عبد الوهاب والرجل «طبعاً» لم يسمع بأن وزير ثقافة وإعلام السودان.. الإتحادي كان يوماً من أيام السودان المضيئة كان في باحة المطار.. وعند أسفل سلم الطائرة ترحيباً واستقبالاً بكوكب الشرق أم كلثوم.. صديقي.. الآن كفكف دموعك.. ودعنا نتوقف عن البكاء قليلاً.. لننام أو نغفو حتى «نحرر» البكاء.. صباح الأحد.. الذي فيه نتعانق ونختلج.. وننتحب..