وما زلت مع الحبيب الصديق البديع.. كامل عبد الماجد.. وما زلت أبكي بدموع الخنساء وجعاً على سودان بديع.. وخرطوم رفيع.. وأمدرمان فارهة.. فائقة.. فاتنة.. صدره في إمتاع وإبداع.. أنيق العبارة.. بهي الحروف.. عطري المفردة.. كامل.. أبكي على زمان رحل.. وسودان ارتحل.. ويأتي الأحبة الإخوان.. وتأتي حكومتكم.. اطفأوا كل مصابيح الفرح.. واغتالوا كل ألوان اللهو كان بريئاً أو شيطانياً.. «شغلونا» بالركض خلف لقمة العيش.. أصبحنا.. كلنا.. كلنا.. كلنا.. ومن «دغش الرحمن» نهب مذعورين من اسرتنا بل تنتاشنا وقبل «شراب الشاي» كوابيس الفزع والهلع.. حاملين على ظهورنا كما الجبال الحلم «بالرغيف» أو «الكسرة» أو صراع «المواصلات» ليس لدينا هم واحد غيرهم «المعيشة» وكأننا مجموعة أو قطعان من الماشية أو مراح من البهائم.. يمسح الأحبة «ناس الحكومة» من خارطة الولاية.. والتي كانت عاصمة مثلثة.. أو عاصمة وطنية.. يمسحون أي دار للسينما.. كأنها رجس من عمل الشيطان.. ونتذكر في أسى.. بل تساهم في العزاء بعض الدموع.. نتذكر أيامنا تلك المترفة.. وأماسينا تلك المضيئة.. عندما نكون حضوراً وسيماً في «النيل الأزرق» وسط طلاب جامعة الخرطوم.. أو في «كلزيوم» أو «الصافية» أو «الخرطوم غرب» عندما تضيء الشاشة.. ا لفاتنة البهيجة «ناتالي وود» وهي تتشابك خطواتها مع العاشق «وارن بيتي».. يا لها من أيام.. كان فيها سهر الشوق في العيون الجميلة.. ونتذكر حصص التاريخ التي تصورها لنا الكاميرات عن أحداث وأهوال ومعارك الحرب العالمية الثانية.. نتذكر صفوفنا التي تتعرج وتتلوى وكأنها حبل مفتول من البشر ونحن نتدافع لنرى بعيوننا رائعة «ليوتولستوي» الحرب والسلام وكيف صممها بالصوت والصورة العبقري «سيرجي بندر شوك».. نعم هذه كانت الخرطوم.. وهكذا كان السودان.. عشنا أزهى الأيام ترفاً وفناً واشراقاً.. وها نحن نعيش الأيام وهي أشد بؤساً وفقراً واظلاماً.. تصوروا هذا الوطن ونحن في القرن الحادي والعشرين وأحد «الولاة» بولايات السودان الحبيبة.. يقود حفلاً لهدم سينما في إحدى المدن.. يتشرف بالضربة الأولى بالمعول لهدم السينما وهو يهتف لقد سقط هبل.. يا خسارة.. أحبتي.. أنا لست مثل كامل.. ذاك الذي تتأدب الحروف في حضرته.. لست مثل كامل ذاك الكاميرا الرقمية الماهرة في التصوير بالكلمات.. ولكني أحاول بجهد المقل أن أفسر وأشرح.. وأقسم لكل الذين لم يعيشوا ذاك الزمن الزاهي الجميل الذي صوره كامل.. إن كل تلك الصور حقيقية.. وقد حدثت فعلاً وأن السودان.. كان كذلك.. وإن امدرمان كانت تماماً كما صورها كامل.. كانت امدرمان وديعة وليلة عامر بالحدائق البصادفك كلو ضاحك والبقابلك كلو رائق والحبايب اللينا فيها بالجمال لفتو الخلائق إلا ما قطعو العلائق.. أما الخرطوم.. وبعد أن يبدع كامل في وصفها ووصف «ناسها» في صدق ومسؤولية.. ودقة ومهارة.. يلفتنا إلى وجهها البشع الآن.. و.. جاطت الدنيا الجميلة واصبحت ساحة مآرب ناس بدون مجهود تحصل فوق وتصفالة المشارب وناس تقول ما في البطولا وفجأة نجمها يمشي غارب وناس تكابد وناس تجابد وبرضو ما سادة المطالب ويواصل كامل حتى يصل إلى.. البلد كانت رخية.... لا كلاش لا بندقية القروش تكفي وتفضل.. حتى لو كانت شوية ما في زول ساكي المعايش.. والأكل ما كان قضية الحبيب الغالي كامل.. هل يعود ذاك الزمان الزاهي البهيج.. لكن كيف؟؟