ü كل ما اقترب رمضان الكريم كل عام يصبح موضوع برنامج «أغاني وأغاني» هو الموضوع الأثير لصفحات الصحف الفنية، أخباراً واستطلاعات وتعليقاً، حول الاستعدادات التي تقوم بها قناة «النيل الأزرق» لإخراج البرنامج وتقديمه. ü أولاً تحية محبة واحترام للاستاذ السر قدور، الفنان العصامي الشامل، شعراً ولغة ومسرحاً، فلولا السر لما لقى هذا البرنامج كل هذا التقدير والاهتمام، تكفي فقط تعليقاته الذكية وحكاياته الطريفة وضحكته المجلجلة، التي أعطت قيمة مضافة لهذا البرنامج، الذي في ما يبدو انه كان فكرة طرأت على ذهنه ذات مساء ما، ليقدمه لمرة واحدة في أحد الرمضانات قبل عدة سنوات، وعندما لقى الترحيب والمشاهدة العالية صح على السر وعلى القناة قول السودانيين «من ديك وعيك» بما يعكس أزمة الانتاج الفني وعدم قدرة القنوات السودانية على تقديم الجديد. ü الإصرار على تقديم برنامج «أغاني وأغاني» كل رمضان وتكرار الفكرة، تماماً كما يتكرر صحن «اللقمة» أو كورة «النعيمية» أو بليلة «الفريك أو العدس» أو جك «الآبري» تعكس فقر الخيال الفني والاخراجي لدى تلك القنوات، خصوصاً بعد أن وجدت رعاية مادية من بعض المؤسسات والشركات الكبيرة المستعدة للدفع وتقديم أموال معتبرة نظير الاعلان عن بضاعتها أوقات بث البرنامج. ü لكن ما همني حقيقة، هو هذا التكرار للاغاني القديمة، حقيبة وحديثة، حيث يجمع الأخ السر مجموعة من المرددين أو على الأصح «المقلداتية»- أي الذين يرددون ويقلدون من سبقهم من الفنانين المغنين- ليقوموا بتقديم انتاج فني مضت عليه العقود، ويحاولون إيهام الناس بأنهم مبدعون ومتفوقون. بينما اساس «الابداع» ومناط «التفوق» هو تقديم «الجديد» غير المطروق وغير المسموع من قبل واقناع المشاهد والمستمع بأن صاحبه يمتلك الموهبة والقدرة التي تجعل منه فناناً يستحق أن يستحوذ على عين المشاهد وأذنه ووقته. ü «أغاني وأغاني» هو اعتراف كامل الدسم بشح امكانيات الأجيال الراهنة من المغنين- عفواً المرددين المقلداتية- في مجال الابداع وتقديم أغانٍ تخصهم وتعبر عن اصواتهم الخاصة، بعد الانعتاق من مرحلة الترديد والتقليد.. وهي أزمة.. أزمة يمكن ملاحظتها بسهولة حيث سجن معظم المغنين الجدد أنفسهم في ميراث من سبقوهم، بلا سبب غير العجز والكسل وساعدهم في ذلك جمهور يعاني- لأسباب شتى سياسية واجتماعية وثقافية- من متلازمة «النو ستالجيا» أو الحنين للماضي، الذي يرونه كان أفضل ألف مرة من حاضرهم الكالح البئيس. ü ماذا يفيد المستمع أو المشاهد أن يرى شاباً مسبسباً أو شابة متأنقة طَلت وجهها ببودرة كثيفة تخرج على الناس في الشاشة، ليردد أو تردد أغنية لخليل فرح أو سرور أو كرومة أو ود البنا أو الجاغريو أو ابراهيم الكاشف أو أحمد المصطفى أو الفلاتية أو فاطمة الحاج أو سيد خليفة أو عثمان حسين أو أحمد الجابري أو محمد وردي أو حتى محمد الأمين «أطال الله» في عمره.. فلو كل هؤلاء الذين ذكرتهم وغيرهم من الفنانين العظام حبسوا أنفسهم في مراحل الترديد والتقليد- التي عادة ما يبدأ بها المغني حياته- لو أنهم حبسوا انفسهم وظلوا يرددون أغاني من سبقوهم ولم يسعوا لاكتشاف اصواتهم الخاصة وابداعهم المستحق لما خلفوا لنا كل هذا التراث الفني العظيم، الذي يقتات منه اليوم «المقلداتية»- وهذه صفتهم الموضوعية. ü وللأسف، كثيراً ما يسيء هؤلاء المقلداتية لهذا التراث والموروث الغنائي عندما يحاولون تطويعه ليناسب أصواتهم وقدراتها المحدودة ويخرجون بالنغمة الأصلية من موقعها وطريقة أدائها كما كان يفعل أصحابها- رحمهم الله- فيصبح الأمر «تشويهاً» وليس «تطويراً» كما يدّعون. ü ومن أسف أيضاً، أن «حق الأداء العلني» مهدرٌ في هذه البلاد، فبإمكان كل من يملك القدرة على الترديد أوالتقليد أن يحمل عوده أو عصاه ويعتلي أية منصة في أي حفل غنائي أو شاشة فضائية ويردد من دون إذن أو حفظ ل«حقوق الملكية» ما يشاء والنتيجة هي قتل الابداع وتفشي التقليد، والمقلداتية أو «القروداتية»- والتقليد صفة ونشاط يجمع بين الأطفال والقرود- فلا حول ولا قوة إلا بالله.. ورمضان كريم مقدماً!