وروضة.. هي روضة الحاج.. شاعرة العرب.. رغم أنف بعض العرب.. هي التي وهبت السودان الميدالية الذهبية في حقل تضيء سماءه روعة وابهار المصابيح.. هي التي خرجت من الوطن لتنافس باسم الوطن.. وعادت للوطن وهي«الأولى» على كل قيثارات الوطن العربي من طنجة وحتى الفرات.. هي التي منحت هذا الشعب المترف المرهف النبيل ابتسامة في زمن عزَّ فيه الابتسام.. ثم ماذا؟ لا شئ غير أني أكتب اسمها في فرح معربد وصوراً بالغة الأناقة تمر أمام عيوني.. رأيت أن أشرككم فيها.. المناسبة هي أن روضة قد طالبتني في الحاح والحاف أن أكون ضيفاً على برنامجها الاذاعي المترف والفخيم والوسيم «منازل القمر» يا لبهاء الاسم ويا لروعة القمر.. وشعاعه يبهر كاللآليء... في ليالي الدنيا البيض.. قاومت دعوتها في عناد..لا في تصميم.. بل في رفض حديدي صارم وعنيد.. ليس لأني«مهم» أو أنتفش ريشا طاؤوسياً ملوناً .. ليس لأن «زمني مزحوم» فأنا «فاضي» كل لحظة.. كل لمحة.. كل ساعة.. كل يوم.. إذ ماذا أفهمتها وكررت الافهام.. وطرقت على موقفي طرقاً أشد عنفاً وأعنف ضرباً من شاكوش في يد حداد... «بالعربي» الواضح الفصيح... ونصاً لقلت لروضة... أنا أقل قامة من برنامجك الفخيم.. أنا لن أجلس في «كرسي» أضاءته أفلاك ونجوم... اصطادتها بل انتقتها أناملك من صدر السماء حيث المجرات البعيدة والبديعة.. أنا لست نجماً.. لست شاعراً أحصد القصيد بكفي القصيد روائعاً.. لست مطرباً رغم أني أذوب وجداً في «وردي» وأشتعل جمراً في عثمان حسين.. أنا لست كاتباً ولا روائياً ولا قاصاً.. ولا مبدعاً.. بل أنا «زول ساي» وما نفع دمعي السكبتو تمنعاً وإباء.. فقد انهارت كل خطوط دفاعي أمام موجات طلباتها الكاسحة.. ثم جلست قبالتها ويا للمفارقة في كرسي.. جلس فيه قبلي عبد الله النجيب وهلاوي.. وكوكبة من مصابيح السودان.. نعم توكلت على الواحد الأحد وجلست أمامها مردداً في«سري».. طبعاً الكل في السودان يحتل غير مكانه.. ثم أردفت- وأيضاً في سري.. كان الله في عون المستمعين.. سائلاً الله أن يشرح صدري ويفك العقدة من لساني حتى لا أكون «ثقيلاً» و«غشيماً» و«مملاً» وأنا اتونس مع هذا الشعب المدهش الفاهم الفريد.. وبدأ البرنامج... وانزلق زورقنا خفيفاً مزهواً زاهياً على سطح الماء.. وكان السودان البهيج كله هو سطح الماء.. وبدأت السياحة. تحدثنا في مرح عن هذا الوطن العظيم.. اجتاحتنا سعادة أشد مرحاً من فرح الأطفال في العيد ونحن نتكيء على محطات الإبداع والاشراق في الوطن.. ثم تحدثت وحدي وفي وجع عن لوحات شائهة ومشوهة.. أنتجها نفس الوطن.. وسماء كانت صافية كما البلور.. علق بها غبار شائه ومخيف.. تكون سحباً مفزعة عناوينها كريهة بغيضة اسمها القبلية والعنصرية التي انبعثت من الأجداث.. طفنا في مرح على حدائق الغناء السعيد والبهيج.. ذرفنا دمعاً حاراً وغالياً على انحدار وسقوط عمودي بفناء بعضهم وهو يسمم الفضاء لن أتحدث عن حديثي بل مرافعتي وصحائف اتهامي«للحقيبة» وتلك قصة أخرى..ولكن.. فاجأتني روضة عندما كنا نتحدث في أسى عن بعض أحوال الوطن وفي ختام البرنامج... فاجأتني بسؤال زلزال.. كان:- هل أنت متفائل؟.. وغداً أجيب على السؤال.