مصر بلد عظيم، وهي أكثر البلدان تأثيراً وتأثراً بما يحدث في السودان، وشعبها هو أقرب الشعوب إلينا، ومع ذلك فنحن نقول،إن أهل مصر أدرى بشعابها. ونقول أيضاً ، أن مصر هي صخرة الشرق، وما يحل بها من حوادث الدهور، ينعكس مباشرة على كل أرجاء الإقليم، فهي دولة كبرى لكنها لا تكتفي ذاتياً من كل شيء. وما يُقال هنا،هو في الواقع ،محاولة لقرءاة الأحداث ومقاربة الوقائع لا تتجاوز بإدّعاء النصح أو الوعظ ، أمام النخبة المصرية ودولتها العريقة،، لاسيما ونحن نُدرِك ، أن لأهل مصر كبرياء كبير، في الأخذ من رؤى و تجارب الآخرين. في هذه الأيام، يعيش الإعلام المصري حالة تظاهر، وفورة من فورات الغضب ضد الفكر السلفي التكفيري. وهو غضب مشروع بعد الجريمة البشعة التي ارتكبها داعش في حق المصريين، وفي حق الانسانية كلها، بإقدامه على ذبح شباب الأقباط المسالمين،فوق الشاطيء الليبي..هو غضب مشروع، لكن بعض سياقاته يؤدي الى مُنزلقات أخرى، من ذلك، أن غضب بعض الإعلاميين المصريين، يفضح حالة الدهشة ممّا حدث، حتى يخال المرء أن انفعالهم على شاشات العرض التلفزيوني، يعبر بالأساس عن رؤيتهم للأهوال التي وقع فيها شباب الاقباط في الشاطيء الليبي، ودون شك ،كان هولاً كبيراً ، لكنه حدث مرات عديدة، في مناطق كثيرة، باسم الدين ، وبإسم التراث، إن كثيراً من الاعلاميين عبّروا عن استهجانهم لما حدث، و كأن لديهم ظن مُسبقاً بأن تلك الجماعة، لا يمكن أن تكون بهذه البشاعة وبهذا السوء، مع أن تجارب الدّواعش و«حواضنهم»، ماثلة وحاضرة، وعلى قفا من يشيل..! هذا الوعي المتأخر بمخاطر الهوس الديني، هو نتاج لامبالاة،، ونتاج إنغلاق النخبة على الداخل..فالدولة المصرية، لم تشمّر عن ساعد الجِّد في محاربة الدواعش،بعد إحراق للكساسنة، ولكن- بل بعد أن ذبحوا لها (21) مصرياً ذبح الشياه،، وبدليل أن مؤسساتها حتى هذه اللّحظة لم تتحرك، لتأخذ حديث الرئيس السيسي قدّس الله سره مأخذ الجد، عندما طالب الأزهريين بتقديم البديل للفكر التكفيري..! هذه اللامبالاة ،هي التي قيّدت شعب مصر العظيم ب «سلاسل الامتحان»، مع أن الامتحان كان مقروءاً ، بلسان الرئيس ، وبعبارت لا تحتمل اللّبس، في ليلة المولد..! إن الذي حدث في المنطقة العربية، وفي مصر ، مع تمدد خطر الدواعش، هو أن مؤسسة الدولة استشعرت الخطر، لكنها بدأت مجابهته بايقاع موظف الخدمة، الذي يُدرِك قبل غيره، أن «الأزهرالشريف» هو أحد ركائز الدولة «العميقة» في مصر وفي المنطقة..! هذا ليس على سبيل التعميم، فهناك طليعة مقدرة من النخبة المصرية تعرف الطريق، وتحارب الإرهاب بوعي كامل بأبعاد المخطط الذي بدأت حلقته الأخيرة، بإشعال الفتنة الطائفية في لبنان، ثم العراق، ثم اليمن، وتزامن استفحاله خلال ما سُميَّ بالربيع العربي و، و، ..إن مصر تمتلك العقول والسواعد، التي تُجابه بها الخطر القادم من وراء الحدود ، لكن الخطر هذه المرّة ينبع من الدّاخل ويحتمي بجدران الأزهر، وحوائط الأزهر أقوى، وقفاطين المشايخ الذين يحرسون كنز الدواعش، في حرزٍ حصين..! إن الغضبة ضد الدَّعشنة، لا تتجه نحو فك «عُقدة الصراع» المتمثلة في فتاوى السلف، التي يطبقها داعش، ويؤمِّن عليها الأزهريون، بل إن إعلاميِّ الغضبة، يستضيفون «علماء» الأزهر، الذين يبررون صحة تلك الفتاوي،مشيرين الى خطل داعش في التطبيق..! لذلك، ليس من المأمول أن يساهم إعلام الغضبة، الذي لا يمتلك البديل، في نقل العقول من «الأضابير»إلى أضواء الحداثة الكاشِفة..إنها ترِكة أزهرية ثقيلة، لا يمكن ازاحتها بين عشيةٍ وضُحاها،، ولأنها ترِكة ثقيلة حقاً ، فقد شاءت الدولة العميقة، مواجهة الدواعش عن طريق «الجو»،، و«أهو دا اللي مش ممكن أبداً»..!