٭ عندما ننظر إلي ما يجري في بلادنا ومن حولنا على امتداد المنطقة العربية والشرق الأوسط حيث يقطن أغلب المسلمين نجد أن صراع السلطة هو الذي سيطر على حركة البشر والعقول سواء كان بالغزوات والغارات أو الانقلابات التي تستهدف انتزاع الحكم والسيادة والتمكين أو نحت العقول والتنظير - قولاً أو كتابة - من أجل التبرير وتطويع النص الديني لخدمة أغراض أو أجندة هذا الفريق أو تلك الجماعة انطلاقاً من قابلية النصوص لأكثر من تأويل وتفسير. ٭ من عادتي كلما حزب الأمر واشتدت الإحن وتقاطرت الفتن والمحن أن أعود للتاريخ .. فقيمة التاريخ تكمن في أنه هو الذي صنع الحاضر، بطريقة أو بأخرى، وهو الذي تحتوي خزائنه على جملة من المفاتيح والمناظير تمكن من يمتلكها على الولوج إلى المستقبل بيسر وعلى بصيرة، مستصحباً عبره ودروسه العميقة. ٭ في هذه «الزنقة» التي تعيشها بلادنا ويتخبط فيها عالمنا العربي والإسلامي، هربت من متابعة الأخبار اليومية إلى قراءة في التاريخ .. ووجدت في مكتبتي كتاب صدرت طبعته منذ (38) عاماً (1977) للدكتور محمد عمارة، ضمن سلسلة «الإسلام وفلسفة الحكم» التي قام بتأليفها الدكتور محمد عمارة، وهو الكتاب الثاني في تلك السلسلة المخصصة لدراسة الصراع بين الفرق الإسلامية حول السلطة والنظريات والتخريجات التي اجترحها مفكروها لتبرير حق هذه الفرقة أو تلك في الحكم دون سواها .. وخصص الكتاب لقراءه مقارنة في فكر «المعتزلة» مع ما لدى الفرق الأخرى الشيعة والخوارج وأهل السنة والمرجئة وما تفرع عن هذه أو تلك من الفرق. ٭ القضية المركزية في كل هذه الصراعات هي «الإمامة» أو «الخلافة» أو «الولاية الكبرى» بلغة تلك العصور أي الرئاسة بلغة عصرنا .. واجتمعت كل هذه الفرق على اختلافها بوجوب «الإمامة» والرئاسة، لكنها اختلفت ابتداءاً في توصيف هذا «الوجوب» .. هل هو وجوب ديني أم دنيوي، بمعنى هل هي شأن «مدني» يخص الناس والمجتمع أم «فرض» ديني يعود أمره إلى الخالق جل شأنه .. ومنذ البداية كان رأي أهل السنة والخوارج والمعتزلة ومن سار على نهجهم هو أن الأمامة والخلافة والرئاسة شأن دنيوي لتدبير شئون المجتمع وحفظ الأمن وإقامة العدل وكف التظالم بين الناس، بينما كان الشيعة يرون أن «الإمامة» فرض ديني وواجب إلهي متنزل على الناس من الذات العلية. وكان الاختلاف حول طبيعة «الوجوب» مقدمة للخلاف حول طريقة «اختيار» الإمام أو الحاكم. ٭ وفي هذا انقسمت فرق الإسلام إلى معسكرين رئيسيين، تفرعت عنها معسكرات وجماعات أصغر اختلفت في الفروع والتفاصيل .. فرأي أحد هذين المعسكرين الرئيسيين، والذي يضم جمهور أهل السنة وكل المعتزلة وجميع الخوارج هو أن تختار جماعة المسلمين إمامها وتعقد له البيعة، باعتبار أن هذا واجب على المكلفين من الناس .. بينما يقول المعسكر الآخر إن السبيل إلى أداء هذا الواجب هو «النص والتعيين» الذي حدث وتم من الله ورسوله على شخص الإمام أو على صفاته- نصاً جلياً أو خفياً- لأن هذا الواجب ليس واجباً على جماعة المسلمين، وإنما هو واجب من الله، فليس للبشر سبيل أو اختصاص في هذا المقام .. وبذلك يصبح هذا الخلاف الذي نشأ حول كيفية (اختيار) الإمام أو (الحاكم) على صلة وثيقة بالخلاف حول طريق (وجوب) الإمامة هل هو شأن دنيوي أم شأن ديني؟! ٭ لكننا في هذا المقام نلاحظ، أن حتى الذين قالوا في مبتدء نشوء الخلاف أن الإمامة أو الرئاسة والحكم «شأن دنيوي»، عادوا في عصور متأخرة، فخرجت من بين صفوفهم جماعات أضفت قداسة على المنصب، الذي توجبه أحوال الرعية والبشر، فالتفت من حيث تعلم أو لا تعلم مع القائلين بأن الأمامة والخلافة واجبة «وجوباً دينياً» وإن لم يحصروها في آل البيت كما تفعل الشيعة ليتنكبوا بذلك لمبدأ الأختيار الحر، ولتفرض الجماعة زعيمها، كما فعلت «داعش» مع «أبي بكر البغدادي» في الموصل. ٭ إلى الطيب مصطفى: قرأت ما كتبت .. لا أنت ولا ما كتبت أو ستكتب يستحق الرد.. (هذا زمانك يا مهازل فامرحي.. ) وكفى!!