ظلت التسريبات التي ترشح في الصحف عند كل تشكيل جديد للحكومة مادة طازجة وتحظى بمتابعة لافتة من القراء، حتى وإن كانت «موثوقة، مضروبة، مطبوخة أو مجهولة المصدر»، لكن الملاحظ هذه المرة أن تعيينات الولاة ظلت في طي الكتمان بعد أن قلب رئيس الجمهورية المشير عمر البشير الموازين رأساً على عقب، وجعل الأبواب مفتوحة على مصارعيها، بإعلانه عدم التقيد بقائمة الخمسة أسماء الشهيرة التي دفع بها المؤتمر الوطني بكل ولاية للمركز العام بغرض اختيار اسم من بينها، وقد نزل قرار الرئيس برداً وسلاماً على كثيرين كانوا يرون أن أيادي الولاة الحاليين عبثت بقائمة الخمسة وجعلتهم يتصدرونها عدا في ولايتي نهر النيل والذي خرج واليها الفريق الهادي منها، بينما دحرج الوزير السابق اللواء أمن د. عيسى آدم والي جنوب دارفور للمرتبة الثانية. لكن هذا لا يمنع من محاولة تقفي أثر الملامح العامة للولاة القادمين أو الباقين - سيان - لكن بكل حال هناك أمران قد تكون لهما صلة بالتعيينات المرتقبة للولاة، الأول هو التفويض الكامل الذي حظي به الرئيس بنص الدستور لتعيين الولاة، والثاني هو تقييم تجربة الولاة في الخمس سنوات الماضية رغم أن بعضهم حكم لثلاث سنوات مثل والي النيل الأزرق حسين يس، وآخر أقل بقليل مثل ولاة كردفان أحمد هارون «شمال»، أحمد خميس «غرب»، آدم الفكي «جنوب» وواليي الجزيرة والقضارف. هناك مواصفات من المتوقع أن ينظر إليها الرئيس عند اختياره للولاة وهي: { أولاً: ستكون الغلبة للعسكريين في حصة الولاة خاصة في ولايات كردفان ودارفور وهي ثمانية ولايات، وذلك أن أبرز تحدٍ يجابه الرئيس في ولايته الجديدة هو حسم التمرد، وقد قال في أكثر من محفل سنحسم التمرد سلماً أو حرباً وأن هذا العام عام الحسم. وقد برز اهتمام الرئيس بالملف الأمني من خلال تعيين وزير دولة بوزارة الدفاع بعد أن ظل الوزير عبد الرحيم منفرداً بالوزارة لسنوات، كما أن الولايات الحدودية مع دولة الجنوب قد يفرض واقع بعضها اختيار ولاة عسكريين، علاوة على ذلك أن الجيش صاحب اليد العليا الآن وبالتالي سيمنحه حصة من «كيكة السلطة»، هذا حال تجاوزهم في الوزارة، وقد نجحت تجربة اختيار ولاة عسكريين آخرها الفريق يحيى محمد خير في النيل الأزرق وخلفه الهادي بشرى. وذات الأمر ينطبق على اللواء أحمد خميس في غرب كردفان وإن كان إيقاع الرجل سياسياً وتنظيمياً يشوبه الضعف. { ثانياً: هناك ولايات تحتاج لرجل ذي خلفية أمنية أكثر من كونه عسكرياً وبالتالي شخص بهذه المواصفات ستكون له صلة وثيقة بالشأن السياسي وسيكون من ذلك الاختيار إشراك للمؤسسة الأمنية في الحكم ويبرز وزير التخطيط السابق بجنوب دارفور اللواء أمن د. عيسى آدم وهو مهندس، وحقق نجاحاً ملحوظاً في الوزارة، كما أن قائمة الخمسة تضم أمنيين آخرين. { ثالثاً: سيتم اختيار ولاة ذوي خلفية اقتصادية والحاجة ماسة لأمثال أولئك في ولايات بعينها مثل الشمالية، القضارف، نهر النيل، والخرطوم وقد بدأت ملامح ذلك الاختيار تظهر في ولاية الجزيرة عندما تم اختيار د.محمد يوسف ذي الخلفية الاقتصادية البحتة «فهو خريج الاقتصاد بجامعة الخرطوم، أحد مؤسسي شيكان للتأمين، وعمل أميناً عاماً لديوان الزكاة الاتحادي، ووزيراً للمالية بالجزيرة والخرطوم، ومن ثم وزير دولة بالمالية الاتحادية». { رابعاً: سيكون هناك تركيز من الرئيس على ولاية الخرطوم تحديداً كونها عنواناً لكتاب حكومته والراجح أن يسمي واليها هو شخصياً وقد لا يقبل في أمره نقاشاً من الحزب الحاكم والقادم إليها سيكون من الأسماء الكبيرة في الإنقاذ وذا خبرة، هذا بدليل أن شؤونها تولاها أمثال الراحل اللواء د.مجذوب الخليفة، د. بدر الدين طه، د. عبد الحليم المتعافي وقد يعين فيها شخصية قريبة من الرئيس، وعلى كل فإن الخرطوم سيكون موقفها مختلفاً. { خامساً: أتوقع أن يتم الإلتزام بقرار عدم تسمية والٍ وسط أهله وهذا يعني أن أبرز واليين سيغادران هما أحمد هارون ومحمد طاهر إيلا لكن المسكوت عنه أنهما قد يغادران لجهة كسر شوكة تمدد الولاة على حساب المركز والتغيير كبح لجماح الرجلين اللذين باتا أكبر من مسمى والي، وفي ذلك تأكيد على قبضة المركز، لكن حتى وإن غادرا فهارون على سبيل المثال مؤهل جداً للداخلية على سبيل المثال. { سادساً: سيتم تقديم ولاة ذوي خلفية ناصعة البياض في التعامل مع المال العام وبعيدين عن التعصب القبلي ولعل الأخيرة هي التي دفعت الرئيس للتفكير في العودة للعهد السابق بأن يكون الوالي من خارج الولاية، لأنه حالياً وضعت قبيلة الوالي موضع الاتهام بسيطرتها على مقاليد الأمور بالولاية، مثلما يقال عن قبيلة والي شمال دارفور. سابعاً: قد يمضي رئيس الجمهورية في اتجاه الدفع بقيادات مركزية بارزة للولايات ليضيفوا ألقاً للمنصب، فعدد من الولاة الحاليين لم يغادروا ولاياتهم مثل محمد يوسف الشنبلي «النيل الأبيض»، الضو الماحي «القضارف» وعثمان كبر «شمال دارفور»، وميزة القادم من المركز أنه سيسهل الاتصال بين ولايته والخرطوم. ومهما يكن من أمر فإن الأمر برمته بيد الرئيس، لكن قطعاً المفاجآت قادمة عند تعيين الولاة.