وما أصعب وأقسى وأشق على القلم عندما تكون الكتابة عن مبدع.. عندها الحروف تهرب.. والكلمات تتقاصر.. وكلما «ندور نكتب يتجمد بيانا ويغلبنا الكلام..».. واليوم الكتابة عن قارورة عطر بهيج ومستودع حرف أنيق.. وتعريشة عبارة مدهشة.. وأناقة وثراء كلمة.. كلها تتشابك.. وتتلاحم.. وتتآزر.. لتشكل الراقي جداً.. المثقف حد القيف.. المتواضع حد ازدراء النفس.. المحتشد صدره معلومات.. الضاجة بين تجاويف صدره جمال وبهاء النغم والألحان.. المندفعة من شفتيه سيول وموجات صاخبة من المعلومة.. هو يا أحباب الحبيب زهير بانقا.. وأقسم بالشعب والأيام الصعبة.. أني أشد الناس بخلاً بحروف وكلمات الإشادة.. ولكن زهير يجبرني.. ويدفعني إلى ما لا تعتاده روحي دفعاً.. وزهير من نجوم الإعلام في الوطن.. ولكن قاتل اللّه ذاك التواضع المقيت الذي أضر بزهير.. بل أضر بكل الوطن. زهير يا أحبة من أعاد لي الأمل الذي كاد أن يتبدد ويتلاشى ويطير في الفضاء كما الدخان في شباب الوطن.. كنت أظن أن جيلي أنا.. من لون الفضاء وتشابى حتى السماء وتدفق.. بل هطل مطراً وتألق نجوماً واكتمل أقماراً في هذا الوطن الجميل.. كنت أعود إلى الزمن الزاهي عندما يضيق صدري لاجد نفسي أجتر في فرح وأتذكر في مرح تلك الأيام التي كانت سماء الإبداع في بلدي.. وهي مجوهرة بالنجوم من غير نظام.. فقد كنت أجزم فأتيقن أن رحم الوطن قد عمقت إلى الأبد.. حتى أشرقت شمس زهير بانقا.. هذا الفتى يناجي «المايك» أمامه برقة الحروف ونصائحه المفردة.. يحمل ضيفه إلى المجرات البعيدة حيث لا أمنيات تخيب ولا كائنات تمر.. يتدفق حديثاً ويفيض معلومة.. وينقب داخل عقل الضيف ويستخرج سبائك من ذهب.. وأحجاراً من فضة.. يرسلها عبر الأثير هدايا وعطايا للمستمعين وهم متكئون على أرائك منازلهم.. يجدف في بحر بلا قاع وفي مهارة صيادي اللؤلؤ.. يصطاد حبات ملونة باهظة القيمة ويلفها بالسلوفان هدايا لأحبة في النجوع والبوادي.. في العواصم وأعمدة الكهارب.. أنا شاهد على ذلك.. استضافني الرجل قبل سنوات في ساهرون كنت حضوراً بين يديه رغم أنني تمنعت في البدء.. فقد كان الكرسي الذي يقابله أو يجاوره تماماً كان يجلس أبداً عليه نجم.. أو قمر أو شمس.. جلس عليه نجوم الغناء البديع.. وشعراء الحرف الرصين ونجوم المجتمع الأنيق.. لذا كان تمنعي ورفضي.. فقد كنت وما زلت وسأظل ابداً أصف نفسي بأني «زول ساي».. فأنا لست مبدعاً في أي ضرب من ضروب الفن والثقافة والجمال.. تحت إلحاح الرجل أمضيت ساعتين وأنا في رحاب إذاعته ساهرون.. نعم كانت ونسة ولكنه أخرج من صدري ومن عقلي ما كنت لا أعرفه عن صدري وعن عقلي.. ومن يومها وأنا لا تفوتني حلقة من حلقات زهير وهو يستضيف نجماً. نعم قاتل اللّه التواضع.. هو الذي جعل زهير بعيداً عن الشاشات الفضائية.. إنه يضيء أي شاشة في إبداع وإشراق.. هو الذي كأن الخليل يعنيه عندما قال «يا بلادي كم فيك حاذق...».. الآن دعوني أطلب في إلحاف وإلحاح.. أن يضيء زهير شاشة حبيبنا وصديقنا المبدع حسين خوجلي.. إنه يدلق عطراً على أم درمان.. أطلب من الجنرال المسكون بالإبداع المقترن اسمه بالنجاح حسن فضل المولى.. أن ينثر زهير على ضفتي النيل الأزرق ازهاراً وزنابق.. أطلب في رجاء أن تشرق شمس زهير في الشروق.. عندما يتأكد الناس أن الشروق قد مرت من هنا بعد أن يتكرف الناس حقاً عطر عروس أمنيتي أن أمتع عيوني بزهير وهو يطل عبر قناة.. وهو يصطاد البدائع والروائع والحكاوى مثلاً الجنرال عوض أحمد خليفة.. لنعيش مرة أخرى ربيع الدنيا.. أمنيتي أن «يتونس» في جزالة زهير وعبر فضائية مع الحبوب الوديع.. عبد اللّه النجيب.. لنستمع في بهاء إلى وصفه البديع للمحبوب وهو ينشد.. أنت أغلى وأنت أندر وأنت جوهر وأنت أكبر من عتابي.. حفظك اللّه يا زهير.