٭ وها هو الزورق ... زورق ينزلق خفيفاً على سطح النيل... وأين؟ في أرفع وأجمل وأبدع بلاد الله.. في الشاطئ الغربي حيث يبلل رذاذ الأمواج وجه أم درمان... هناك ينزلق الزورق.. على خلفية... صوت الخيل الآتي من عمق التاريخ... والصدى لا تحمله الرياح وهو يردد صوت «المتر».. بل ينبعث من أشجار وأزهار ضفتي النهر العظيم وهو يردد في عظمة.. في يمين النيل حيث سابق كنا فوق أعراف السوابق الضريح الناح طيبو عابق السلام يا المهدي الإمام ٭ والله «بختك» يا الكتيابي... أنت في «قمرة» الضيافة... والأنيق المثقف حد القيف عثمان جمال الدين يضرب بمجدافه .. و «بختك تاني» وكأنك يا منعم في «الجنة» .. والغالية المثقفة المضيئة «هبة عيسى»... تهز بجزع المجداف الآخر ليتساقط عليك الجمال والبهاء طلاً بهياً... وتتدفق يا صديقي شلالاً رصيناً وأميناً لترسم بألوان الطيف قوس قزح بهاء أحياء وتاريخ وعبق وعطر أم درمان. ٭ وبحديثك عن أم درمان... تميل المباراة بشكل حاسم وكاسح إلى نصر مؤزر وتتقدم أمدر بأميال وفراسخ عن أقرب المدن إليها.... ويحاول جمال الدين أن يسجل نقطة ل ( بحري) عندما قال الكيتابي... أبو داؤود من عطبرة هنا انتفض جمال الدين ليقول بل هو من بحري.... ويصمت كتيابي وأنا تجتاحني عواصف وهوج رياح الانتصار .. يا جمال الدين.... صحيح إن أبو داؤود (كان) من بحري... ولكن فقد (قلعه) وانتزعه عنوة ووبسالة من بحري (علي المك)... صار أبو داوود (فتلة) بهيجة ورائعة في ديباجة أم درمان... فقد كان طيلة أيام حياته الباذخة الحافلة.... هو محور ومعقل أصدقائه من أبناء أم درمان ... يكون بها من (دغش) الرحمن... ولا يغادرها إلى (بحري) إلا للنوم... ولو كنت في ذاك الزورق ... السحري والعطري ... والبهي لقلت مواصلاً ... حتى (محمد ميرغني) لنا فيه النصف إن لم أقل التلات أرباع.. ويبقى لبحرى فقط... فقط... فقط... الفنان المدهش ... مصور الطبيعة ومطوع الحروف .. وصانع البهاء والجمال (مصطفى بطران). ٭ أحبابي... جمال الدين و(هبة) لقد وهبتم الوطن سهرة فاتنة ... محتشدة بالمعلومة.... مثقلة بالأحداث... كانت رواية تترى فيها أحداث التاريخ بلا ملل... في رشاقة وأناقة ... وغناء بديع... وتستمطران الدموع من عيوني وإنتماء الكتيابي... وكل (ناس الدنيا) تلامس عصب أجسادهم روعة التطريب وبهيج التنغيم وإنني أرجع إلى أم درمان وأعوده وتنطوي تلك الصفحة ... وتنفض كل دقائق وثواني تلك الحلقة.. وتمر تلك اللحظات مسرعة كالخيال أحلام... وثمة كلمات يجب أن تقال... إنه رغم حبنا ذاك الجارف لأمدرمان... إلا أنه مبرأ تماماً من أي مدينة هي في آخر بوصة من سويداء قلوبنا ... بل إن مدن السودان قاطبة وبلا استثناء قد وهبت أم درمان أغلى وأعظم رجالها ونسائها ... طوقت جيد أم درمان بعقد نضير بهي الألوان، فقد وهبتنا أروع مبدعيها وأغلى منشديها وأمهر نجومها... مسرحاً ونشيداً وغناء ومطرباً وكلمة وحرفاً لهذا كله وبهذا كله فقد كانت أم درمان... وتنتهي بعد أن أخذتها روعة الحلقة حتى يرسو زورق جمال الدين وهبة عند شواطئ جزيرة بدين وتلك قصة أخرى.