ويكتب الباز في مرح.. حروفه تتقافز جزلى كما الفراشات الملونة.. يا إلهي.. هل يكتب الرجل بحبر أسوداً وأزرق؟.. أم ترى الرجل يغمس ريشته في نهر من العسل.. يكتب عن ليلة أضاءت فيها أروقة بالمصابيح سماء الوطن.. استدعت أروقة لمحة من ذاك الزمان البديع.. زفت صلاح عريساً لليلة من ليالي العمر.. أنا لم أحضر.. ويا لشقائي.. حالت بيني وبين ذاك الإبهار ظروف بالغة القسوة والشدة.. متاريس وعوارض(تحنن الكافر) العزاء أن أروقة والباز وصلاح... قد وهبوا هذا الوطن «هدية» من الزمن البديع.. أما أنا فقد حملني صلاح الى تلك الأيام المبهرة.. والوطن كل الوطن تغمره أضواء المصابيح الباهرة.. أعود القهقرى الى أماسي كنا ونحن في فتوة الشباب... نرفل في ثياب الروعة ونخوض بحار الدهشة.. ونبكي في فرح ونتذوق في تلمظ طعم الدموع الما لحة عندما ينوب صلاح عن عز الدين هلالي ثم ينفجر كما نافورة ملونة... لا تسكب ماء بل تتفجر أنغاماً: أنا ما بقول يا قلبي أقسى وخلي للحب الدرب لكن كمان ما تكون عنيد وتحب ليك زول ما بحب معقولة بس زول ما بريد يعصر وراك دم القلب ساكت تضيع ويروح شبابك وتفنى في نص الدرب شكراً لك عادل.. شكراً لك السموأل... فقد كان(قصدكم) إبهاجنا ولكن وأقسم بالتي أحبها وقسماً لأبرنّ قسمي أنكم استحلبتم من عيوني طوفاناً من الدموع... وأنا أسترجع ذكرى أيام بطعم الدهشة والوطن يفيض جمالاً ويتدفق إبداعاً وعبد الله النجيب...وعبر حنجرة صلاح الماسية يردد في جسارة ونبل على من أخبروه ان المحبوب لا يفكر في سنينه ولا يهمه حال عيونه... وينطلق صلاح صادحاً أمام المحبوب انه جوهر.. وأندر.. وأغلى.. وأبعد من كل السراب.. ونعود مرة أخرى القهقرى الى أيام بطعم السكر.. وينزلق زورقنا على مسطح الماء... ومحمد يوسف موسى يرسم بالمجداف لوحات ما زالت تشع بريقاً وتتألق زهواً وتضوع عبيراً.... وصلاح يغني ويبكي ونحن نبكي ونختلج.. وننوح.. ولو في الكلمة أنا غلطان ياما إنت خطيت وغلطت ياما قلت كلام جرحني وياما قلت وياما قلت كم أدميت بكلمة فؤادي عشان خاطرك استحملت عشان بهواك بشوفا رقيقة كلمات جارحة بيها نطقت صديقي الباز.. (شفت السودان كان كيف؟) هل بقعة في الأرض كانت تشبه السودان.. هل شعباً في الكوكب مثل شعب السودان.. هل غناءاً بهيجاً ورفيعاً مثل غناء صلاح.. وردي.. ود اللمين.. مصطفى.. التاج وكل ذاك العقد المغزول من زهر البنفسج... صديقي... لماذا اللعنة على المهنة التي حرمتك من الدوران في تلك المجرات البعيدة من الجمال والمحال والروعة... اللعنة على كل من أطفأ تلك المصابيح المبهرة .. اللعنة على كل من دلق (كوز) ماء على هذه الأفلاك المشتعلة... اللعنة على من حرمنا وحرم أبناءنا من النهل من ضفتي ذاك النهر العظيم...