أخي منقو .. أنت سوداني .. سوداني أنا .. ضمنا الوادي فمن يفصلنا نحن روحان حللنا بدنا منقو قبل لا عاش من يفصلنا أخي منقو زمبيري .. السلام عليك حيثما كنت ولا اظنك الا ذاكراً رحلتنا الطويلة الممتعة المفيدة التى طفنا خلالها على اصدقائنا فى (محمد قول) وود سلفاب والقولد والجفيل وغيرها من مدن وقرى بلادنا، تذوقنا فيها من الطعام اطيبه وتعرفنا على سبل اهلنا فى كسب عيشهم حتى استقر بنا المقام فى بلدتك الرائعة يامبيو حيث تعرفنا على اسرتك واهل منطقتك وطفنا معاً فى مشروع انزارا الذى كان يرفل فى حلة زاهية من لوز القطن المطري وعندما ولجنا الى مصنع النسيج امتلأت نفوسنا فخراً ونحن نرى الانسان الجنوبي وهو يحول القطن الى نسيج رائع بواسطة الالات المعقدة وعندما عدنا الى منزلكم العامر حيث تحلقنا حول طبق من البفرة الطيبة واقداح من الحليب الطازج.. هى رحلة قام بها كل سوداني درس المرحلة الاولية من السلم التعليمي منذ عقود طويلة من الزمان وكانت لك يا منقو دائماً المساحة الافسح فى القلوب لانك كثيراً ما تخرج من ميدان ((سبل كسب العيش فى السودان)) لتتجول فى ((مجلة الصبيان)) او لتشارك لداتك فى مسرح ((الاناشيد والمحفوظات)) اغنيتهم المحببة وهم يخاطبونك منشدين.. انت سوداني سوداني انا .. ضمنا الوادي فمن يفصلنا .. نحن روحان حللنا بدنا .. منقو قل لا عاش من يفصلنا. وآمل اخي منقو أن تكون قد قرأت الرسالتين السابقتين اللتين أرسلتهما إليك من قبل وقلت لك من خلالها ان هنالك نفر كريم من أبناء هذا البلد في الشمال والجنوب نذروا أنفسهم لوقف الحرب اللعينة،وحققوا لنا اتفاقية السلام الشامل فى نيروبي فى التاسع من يناير 2005م وخاطبتك بقولي .. هلم لنتحلق جميعاً علي مائدة عامرة بالبفرة والكسرة والعصيدة والقراصة والملوحة والقهوة ولندع معنا الراحلين العظام وليم دينق، ودينق ماجوك، وبابو نمر، والمهدي عليه السلام شهوداً على ذلك الفرح حيث إنتصر منطق الحياة بقوة الحق لا بحق القوة، وها هي رايات السلام تزحم الآفاق في بلادنا ، ولن يرث جيل الغد البغضاء لأننا جسد واحد (منقو قل لا عاش من يفصلنا .. قل معي لا عاش من يفصلنا .. نحن روحان حللنا بدنا) .. هل تذكر هذه الكلمات التي رددناها في داركم ونحن نلتهم البفرة والحليب الطازج علي عهد السلام الباذخ ؟ والآن أيضاً أصبح تكرار تلك الزيارة الطيبة القديمة ممكناً بعد أن رفرفت في فضاءات بلادنا حمائم السلام والاستقرار والتنمية، ونأمل أن نجد عند قدومنا إليكم في يامبيو الحبيبة عقب الاستفتاء وتحقيق الوحدة ماكينات النسيج في أنزارا وهي تضج بالحياة وبأكثر قوة لنلبس معاً مما نصنع، وان نجد الارض الطيبة قد أنجبت محصولاً وفيراً من البفرة وهي حبلى بآخر.. وان نجد خوار الأبقار المطرب يصل الي عنان السماء وهي تجود لنا بالحليب الطازج .. فهكذا اخي منقو هو مشروع السلام الشامل والوحدة الجاذب حيث البناء والرخاء .. الأمل والعمل ! ولنقرأ معاً أخي منقو كلمات من حديث لشاعرنا محمد المكي إبراهيم، يقول (أري أرضاً مشتركة إشتركنا جميعاً في إبداعها ، ولا ينبغي أن نخاصمها ونحن نختلف مع بعضنا البعض ، أقول هناك جذوة ثقافية تجمعنا، ليست كاملة ولا منصفة، ولكنها نواة الخلق الأول والإمكانية الوحيدة لتوحدنا واقترابنا من بعضنا البعض، ويجب أن نبقيها متقدة وعالية) ولنطالع معاً أخي منقو حديث واحد من أبناء بلادنا الأبرار وهو الدكتور فرانسيس دينق إذ يقول (ان القبول بالتنوع في إطار الوحدة يشكل بالطبع حجر الزاوية في العلاقات الراهنة بين الجنوب والشمال، ولكن بالنظر الي التفاعل المنسجم الذي كفله تحقيق السلام بين الشمال والجنوب والطبيعة الهرمية لثنائية المشاركة الجنوبية في المركز والاقليم فإننا نتوقع أن تولد هذه المشاركة عملية إندماج وإنصهار ثقافي وسياسي وإثني بالقطر ، ومن المؤكد إن هذا يستلزم عملية عطاء متبادل وتنازلات متبادلة من الجانبين). اخي منقو .. ألا تذكرك كلمات الدكتور فرانسيس هذه ما سقته إليك في رسالتي الثانية من ان النزوح ان كانت له فائدة واحدة فهي انه قد فتح أعين الاخوة الجنوبيين الذين نزحوا الي الشمال علي حقائق كانت مغيبة عنهم وهي ان الشمالي لا يكن ذرة من العداء لأخيه الجنوبي ، وان كافة الفرص المتاحة مبذولة للاثنين علي قدم المساواة ، وانه ليس هناك ما يحول دون انصهار الاثنين في بوتقة واحدة .. وهذا ما نعيشه فى كل مدن السودان شمالا وجنوباً. وان كانت الظروف أخي منقو، قد جاءت بك الآن الي الشمال لرأيت كيف يحتفل الجنوبيون بمناسبات الشماليين، وكيف يشارك الشماليون إخوتهم من الجنوبيين مناسباتهم ، ولسمعت (الله أكبر) و(هللويا) في هذه المناسبات تقال دونما أي حساسية .. ألم تطالع علي شاشة التلفزيون أبناء الجنوب والشمال وهم يمثلون بلادهم معاً في حلبات الرياضة ؟ ألم يحدثك أحد إنهم أيضاً يتواجدون معاً في حجرات ومدرجات الدراسة في كل المراحل التعليمية، وفي المكاتب والدواوين الحكومية، وفي كافة مناحي الحياة؟ وقد لا تصدق اخي منقو إن بعض أبناء الشمال يتقنون بعض لغات الجنوب مثلما يتقن بعض أبناء الجنوب العربية أفضل من كثير من أهل الشمال والشاهد علي ذلك صفحات الجرائد اليومية .. وأظنك ستبتسم إذا قلت لك ان عبارات مثل شيباك ، وفدو ، وين كراج ، وكراج أليو ، لم يعد من المستغرب ان تسمعها من شمالي يسكن دنقلا وكوستي! أخي منقو، ان التحدي الذي يواجهنا في هذه المرحلة المقبلة يتمثل في مواجهة مرارات الماضي بشجاعة أخلاقية عالية وتفهم عميق وتسامح كريم، وذلك في إطار تفهم كامل لحجم الانتصار الراهن المتمثل في تحقيق السلام والمحافظة على اركان الوحدة، ورسم طريق واضح للمستقبل يتفادى أخطاء الماضي، ويجب أن يتحول هذا التحول الي توجه عام راسخ في عقول ووجدان كافة أبناء شعبنا، وذلك لدفع عوامل الانصهار الي الصدارة وصولاً الي خلق كيان موحد الرؤية ، ومما يسهل ذلك ان عوامل الاتصال والتواصل بين الشمال والجنوب ظلت دائماً موجودة، وقد أدرك الاستعمار البريطاني ذلك فلجأ الي تنفيذ وتكريس عملية الفصل الثقافي ما بين الشمال والجنوب خدمة لأغراضه السياسية والاقتصاديةولكنك بلا شك تابعت جهود اخونا الوزير السمؤل خلف الله وهو يقود القافلة الثقافية التى حملها قطار اويل الشهر الماضي ولعلك سمعت الفنان النور الجيلاني وهو يردد على الملأ اغنية ((جوبا يي)) ورغم كل شيء، أخي منقو، فليس هنالك فرد واحد في الشمال ينكر علي الجنوب أي مسعي لتعزيز مفرادته الثقافية، فالتعدد الثقافي حقيقة واضحة للغاية ، ولكن علينا أن نحولها الي عنصر إثراء من اجل الوطن وليس عنصر استعداء .. وأخيراً دعنا نغني مع شاعرنا محمد المكي إبراهيم لهذا التعدد الإيجابي : سبع حمائم سيل عمائم نخل في البرية هائم موكب إمكانات أمتنا نار .. ودخان وثن .. طبل .. قرآن وهذا التنوع أخي منقو لا يغطى مطلقا على حقيقة وجود وفرة في القواسم المشتركة بين كافة اثنيات بلادنا وهو ما يسهل وييسر إلى حد كبير عملية التفاف الجميع حول مشروع وطني واحد يقود الى تكريس السلام وتجذير الوحدة .. وقد آن الأوان لنعمل جميعاً يداً واحدة من اجل الوحدة ونحن نغنى سودان بلدنا وكلنا أخوان والى ان نلتقى في احتفال جميع الأهل فى جوبا والخرطوم وفي عموم ارض المليون ميل مربع بالسودان الواحد الموحد . وفى الختام إليك أخي منقو السلام ووصيتي الأخيرة هي ان ننشط هذه الأيام معاً من اجل تحقيق الوحدة باعتبارها معركة وطن.. لا تقبل المساومة.