فقدت البلاد والأمة الإسلامية في الأيام القليلة الماضية العالم الجليل الشيخ بروفيسور الصديق محمد الأمين الضرير، وشيع إلى مثواه الأخير بمقابر أهل توتي أو مقابر الدخيرة بين مقابر حمد وخوجلي بالخرطوم بحري. إلا أيها السودان قد وقع الأمر *** وزلزت الآمال وانهزم الصبر وغابت عن الوادي كواكبه الزهر*** وغابت به الشمس المنيرة والبدر يعتبر البروفيسور الشيخ الصديق من فقهاء العصر المتخصص في المعاملات المالية المعاصرة، وإن مكانه العالم الجليل بين العلماء الأجلاء مكانة مرموقة وذلك لدوره الريادي ومثابرته وصبره واجتهاده في أداء الواجب والتجرد للوظيفة والمعرفة الواسعة بأصول الفقه وفروعه وجهوده المشهودة في تأصيل العمل المصرفي والرقابة الشرعية داخل وخارج السودان، بدأ بإنشاء أول مصرف إسلامي في السودان عام 1977م وإلى اليوم، ولاستقامته في هذا الطريق وللفت الإنتباه إلى آثاره الفكرية النظرية والعملية في مجال إذكاء نار المعرفة الشرعية. ولقد تدرج البروفيسور الصديق في الوظائف من خبيراً زراعياً إلى محاسباً بحكومة السودان، ثم عاملاً قضائياً بالمحاكم الشرعية بالسودان، ثم أُنتدب لتدريس الشريعة الإسلامية في كلية القانون بجامعة الخرطوم، حتى وصل وظيفة أستاذ كرسي الشريعة الإسلامية، أيضاً عمل أستاذاً للشريعة الإسلامية بمعهد القضاء العالي بجامعة الأمام محمد بن سعود بالرياض، ثم عمل أستاذ زائر لإلقاء محاضرات في الشريعة الإسلامية على طلبة قسم الدراسات القانونية في معهد البحوث والدراسات العربية بالقاهرة، وفي كل من الكويت ولندن ونيجيريا. للبروفيسور الصديق عدة مؤلفات، الكتب منها كتاب الميراث في الشريعة الإسلامية، وهو الكتاب المنهجي الوحيد في الجامعات السودانية، وكتاب الغرر وأثره في العقود في الفقه الإسلامي، نظام الأصول الشخصية المطبق في المحاكم الشرعية السودانية، العقد من حيث الصحة والبطلان في الفقه الإسلامي، ومن البحوث حكم عقد التأمين في الشريعة الإسلامية، بحث إجماع أهل المدينة، ومجموعة من البحوث مطبوعة لمداولات جامعة الدول العربية لقانون المعاملات المدنية، ومجموعة بمجلة مجمع الفقه الإسلامي ومقدمة للمجتمع، ومجموعة مقدمة لمؤتمرات عن المصارف الإسلامية والتأمين في الشريعة الإسلامية، وأيضاً مجموعة مطبوعة على الآلة الكاتبة «الوصيه، الوقف، الأهلية وعوارضها، حكم الإجهاض في الشريعة الإسلامية، موقف الشريعة الإسلامية من المخدرات، خطابات الضمان، سندات المقاوضة، زكاة الأسهم» ولقد حاز البروفيسور الصديق على عدة جوائز منها جائزة الملك فيصل العالمية، نجمة الإنجاز من السودان، جائزة الدولة التقديرية - السودان. إن فقد العالم الجليل ليس على أسرة آل الضرير فحسب، بل هو فقد للسودان وللأمة الإسلامية جمعاء وأن عائلة آل الضرير لا تتوقف عن إنجاب العلماء فلا تعلن أسماء الأوائل في الشهادة السودانية إلا واحتوت اسماً من أحفاد الضرير، وتوجه الجيل الجديد لدراسة الهندسة والعمارة والطب والعلوم الحديثة المختلفة ليشهد السودان عن عظمة هذه الأسرة الولود. يا آل الضرير لقد سموتم *** وأنتم في الورى عقد نظيم حفظتم مجد أباء كرام *** لهم في الفضل ذكر مستديم فسيروا والبرايا في خطاكم *** فأنتم في هدايتهم نجوم تقبل الله الفقيد برحمته وأسكنه فسيح جناته مع الصديقين والشهداء «إنا لله وإنا إليه راجعون»