في منافسات كرة القدم في السودان كثيراً ما تتعقد أمور الحصول على البطولة بين ناديي القمة الهلال والمريخ بسبب تقاعس أحدهما في حسم مباريات سهلة في البداية ليأتي في ختام المنافسة إلى تعقيدات حتى يحصل على البطولة معتمداً على نتائج مباريات ليس طرفاً فيها، فمثلاً حتى يحصل على البطولة يجب أن يتعادل الفريقان المنافسان له ويخسر أحدهما مباراة مع فريق غير منافس وفي النهاية يخسر البطولة لعدم تحقق أمنياته.. لذلك التفريط وعدم حسم مباريات سهلة وفي مقدور الفريق المتطلع إلى البطولة يؤدي إلى تعقيدات في ختام المنافسة تخرج الفريق من البطولة وتؤدي إلى مشاكل إدارية داخلية تعصف أولاً بالمدرب (كبش الفداء) ثم تسقط مجلس الإدارة بعد فوضى عارمة، هذا حالنا تماماً اليوم حسب ما سنورد فيه هذا السرد: المباريات السهلة التي خسرها السودان هي: { أولاً: تنامي حروب دارفور والتي بدأت بمشاكل تقليدية معروفة في كل العالم وهي الصراع بين الرعاة الرحل والمزارعين المقيمين في العام 2003م، وعدم حسمها في حينها وكانت مباراة سهلة فقدها السودان وأضحت الحكومة طرفاً أصيلاً في المشكلة.. أدت إلى تدخل دولي غير مسبوق طال المنطقة كلها ورمز سيادة السودان المتمثل في رئيس الجمهورية. { ثانياً: فقدنا مباراة اتفاقية السلام الشامل في العام 2005م والتي كانت تنادي في معظم بنودها بالوحدة الجاذبة فقد السودان فيها ثلث مساحته ومواطنيه وثلاثة أرباع عائدات البترول في العام 2011م لأن الذي وضع تعبير الوحدة الجاذبة كان يعلم أن هناك مجموعة في الشمال ستجعل الوحدة طاردة حتى تتحقق لها أغراض وأهداف ضيقة بعيدة كل البعد عن مصلحة السودان كوطن.. ودائماً الطرد أسهل من الجذب، وبالرغم من فصل الجنوب لم نحقق السلام ولم نحافظ على وحدة السودان ولم يتم تحقيق أهداف هذه المجموعة المتشددة بعد فصل المسيحيين الجنوبيين. { ثالثاً: فقدنا مباراة التناغم المثالي الذي حدث في فترة تولي الأخ الأستاذ الكاريزمي أحمد هارون ونائبه القائد عبد العزيز الحلو قائد قطاع الشمال في منطقة جبال النوبة.. وذلك بعد نتائج انتخابات الوالي في جنوب كردفان في أبريل 2011م، والتي أدت إلى تمرد قطاع الشمال في جبال النوبة منذ ذلك التاريخ وحتى اليوم وكانت مباراة أكثر من سهلة ومضمونة كما يقول عشاق كرة القدم. { رابعاً: فقدنا مباراة راحة البال في النيل الأزرق بعد تولي الأستاذ مالك عقار منصب الوالي في انتخابات نتائجها أغضبت عضو المؤتمر الوطني فرح العقار والذي كان منافساً لمالك.. والهدف الذي تحقق من فوز مالك عقار كان يمكن أن يتحقق بنفس الطريقة في جنوب كردفان، فقدنا هدف راحة البال في النيل الأزرق بحادثة بسيطة أشبه بركلة الجزاء كان يمكن تفاديها إذا كان قلب الدفاع ماهراً أو حارس المرمى بارعاً. { خامساً: فقد السودان مباراة مضمونة إذ لم يستغل عائدات البترول منذ العام 1999م حتى 2005م وكانت العائدات 100% ومن 2005 إلى 2011م وكانت حوالي 50%.. في تنمية المشاريع الزراعية والثروة الحيوانية خاصة مشروع الجزيرة، إضافة إلى ترقية وتحديث السكة الحديد، والخطوط الجوية السودانية، والخطوط البحرية حتى نحافظ على أموال عائدات البترول وزيادتها بأرباح الصادرات الزراعية وصناعاتها والثروة الحيوانية ومنتجاتها، وعائدات خدمات الخطوط البحرية، والجوية (كل مرتبات العاملين في دولة أثيوبيا تغطيها عائدات الخطوط الجوية الأثيوبية أفضل ناقل جوي الآن في أفريقيا) والتي تأسست بعد الخطوط السودانية بعشر سنوات. { سادساً: فقدنا مباراة الوحدة الوطنية بعد خطاب الرئيس التاريخي في نداء الوثبة، والوثبة دائماً تعني السرعة وتجاوز الصغائر وتخطي الثوابت التي لم تعد ثوابتاً.. فقدنا المباراة بسبب عدم القناعة وجرجرة الأرجل وفقدان الثقة. كانت تلك ست مباريات فقدها السودان كان الفوز فيها أو في نصفها كافياً لإحراز بطولة الاستقرار والتنمية والأمن والرفاهية.. لن نقول كما قال الراحل المبدع إدريس جماع (ثم ضاع الأمس مني وانطوت في القلب حسرة) لأننا متفائلون خاصة وأن هناك مباريات قابلة للإعادة بقرارات من اللجنة المنظمة للمنافسة. التعقيدات التي دخل فيها السودان بسبب فقدان مباريات سهلة متمثلة في: { أولاً: أمريكا والغرب يتفقان مع آيران بعد الاتفاق النووي الأخير بين مجموعة (5+1) (الخمس دول دائمة العضوية في مجلس الأمن إضافة آلى ألمانيا)، وهو الاتفاق الذي أخرج إيران من العداء الدائم مع أمريكا والغرب ومن دول محور الشر وأفرج لها عن مائة وعشرين مليار دولار كانت مجمدة في بنوك أمريكا وأوربا، وأتاح الاتفاق لإيران سراً التمدد في الشرق الأوسط خاصة دول الخليج في الوقت الذي توترت فيه علاقة السودان بايران بعد الانضمام إلى حلف عاصفة الحزم بقيادة السعودية. { ثانياً: مغازلة السعودية لحركة الإخوان المسلمين العالمية خاصة بعد مقابلة العاهل السعودي للسيد خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس الفلسطينية، بالرغم من وجود مراسيم ملكية أصدرها الملك الراحل عبد الله باعتبار حركة الإخوان المسلمين حركة إرهابية محظورة النشاط في المملكة، وفي مصر كذلك ما زالت حركة الإخوان المسلمين محظورة وقادتها في السجون ومنهم من حوكم بالإعدام، وفي نفس الوقت مصر شريك أصيل مع السعودية في عاصفة الحزم ضد الحوثيين الموالين لإيران وعلي عبد الله صالح الرئيس اليمني السابق، والذي خاض حروباً عنيفة ضد الحوثيين أفقدته الرئاسة، الآن هو في تحالف معهم وبالتالي مع إيران وأصبح العدو الأول للسعودية. { ثالثاً : السعودية تسعى إلى إقامة حلف سني في مواجهة المد الشيعي في المنطقة يكون رأس الرمح فيه الإخوان المسلمون ودعم صيني روسي، وإيران في الوقت نفسه في حلف تاريخي مع روسيا والصين. { رابعاً : مصر بدأت في مغازلة إيران والإشادة بإنجاز الاتفاق النووي وإيران تدعم الإخوان المسلمين. { خامساً : تركياوإيران على طرفي نقيض في سورياوتركيا تناصر الإخوان المسلمين في العالم كله. كل ذلك جزء يسير من تعقيدات لا أحد يعلم الآن مآلاتها وآثارها لكنها قطعاً عقدت حسابات السودان في هذه المنافسة، وأصبحت نتائج المباريات فيها مؤثرة على موقف السودان في البطولة بالرغم من أنه غير مشارك في ما تبقى من مباريات. ألم أقل في بداية المقال إن السودان لم يحسم مباريات سهلة داخلية كانت كفيلة بأن تخرجه فائزاً؟.. ولكن بالرغم من ذلك فإن الفرصة ما زالت مواتية وهي الآن في أيدي الأخ الرئيس البشير بإعمال برامج الوثبة عند إعادة كل أو بعض المباريات التي فقدها السودان.. والسودان بإذنه تعالى محفوظ دائماً برعاية وعناية الحق عز وجل وسط باقات دعاء الطيبين. والله الموفق.