٭ تسمّرت عيون الأفارقة على شاشات التلفزيون وهم يتابعون عودة باراك حسين أوباما إلى موطن أجداده في الأدغال الكينية.. عاد أوباما، ليس كما عاد بطلنا الفاشل «مصطفى سعيد»، بل عاد عودة الأبطال، مكللاً بالزهو والشرف، وقد حصل على التقدير والكرامة، له ولأبناء قارته، بينما انتحر مصطفى سعيد أو غرِق في فيضان الأحداث، أو في «فورة الصمت»..! ٭ أوباما هو مصطفى سعيد «الناجح، على حد قول صديقي محمد المبروك.. هذا صحيح الصحيح.... فأوباما هاجر طالباً للمجد، ومن أجل ذلك تفادى التمحُّك بالنساء البيض، ومسك الدرب العديل درب الرجال حتى عبر الحواجز وأصبح رئيساً لأمريكا، أكبر دولة في العالم... وهو إذ يعود إلى أفريقيا، إنما يعود ليكتب سطراً جريئاً في سجل العلاقة المضطربة بين الشمال والجنوب / الشرق والغرب.. أما مصطفى سعيد «الفاشل» فقد عاد بأشتات الخيبة، فهذا ما تفعله الحسناوات، بكل بطل زائف..! البطل..! ٭ فشل مصطفى سعيد لأنه أراد أن يكون شبيهاً لقاهريه ومستعمريه.. لأنه أراد أن يكون «قطرة من السم الذي حقنوا به شرايين التاريخ»..! ٭ فشل لأنه لم يطلب المجد، بل قضى عمره يطارد النساء، وحوله حفنة لوردات حمقى، وحين عاد إلى تلك القرية النائية، لم يكن بين يديه سوى ذكريات عشيقاته الحزينات.. عاد البطل الفاشل بحفنة فواجع بوهيمية، وليالي فاضحة ونزوات كانت بنت يومها.. عاد بأوجاعه التي لا تغني عنه شيئاً..! عاد إلى جذوره هارباً من واقعه ومتخفياً من ماضيه، بينما عاد أوباما شامخاً، ليلقي درساً قاسياً على سادة أفريقيا الجدد، عندما استنكر في خطابه داخل قاعة الإتحاد الافريقي، أن يصبح الرئيس رئيساً مدى الحياة..! ٭ قال أوباما إنه يتوق إلى اليوم الذي يتقاعد فيه، ليعيش حياته مع أسرته، بعيداً عن بريق السلطة.. أمّا «زولنا»، فقد عاد لكي ينتحر أو يغرق في النسيان، بعد أن فشل في الوصول الى قلوب النّاس.. ولو أنه عاد عودة طبيعية «لانضمّ الى قطيع الذئاب هذا».. عاد مكبلاً بنقاط سوداء، فوجد سادة المركز «أذأب منه»، ولذلك انحسر داخل الهامش، و انزوى بعيداً عند المنحنى.. ٭ لم يفهم البطل الفاشل قواعد اللّعبة.. لم يفهمها في الشرق ولا في الغرب، وهذا هو سر ضياعه بين النساء..! كانت النساء يتقاطرن نحوه كالذباب..! كانت تحرّكه الأوهام، و«شيئاً ما يتحرّك تحت الحجاب الحاجز».... بينما انطلق أوباما من الحيثية التي فشل فيها بطلنا المزيّف، ألا وهي الرغبة في التفوّق.. رهن مصطفى سعيد روحه للثأر والتّشفي والانتقام، بينما آمن أوباما ب «الحب»، وهذا ما جعله يقول في نيروبي إنه يؤمن بالعدالة والمساواة، وأنه لا يفرق بين إنسان وآخر، لأي سبب، ولو بسبب الجنس، ناهيك عن اللون..! ٭اختتم أوباما جولته الأفريقية وهو يبعث الأمل في نفوس الأفارقة مؤكداً أن بلدان القارة الأفريقية جديرة بأن تكون ناهضة وفي مقدمة البلدان.. اختتم جولته وهو يلقي درسه الأخير على حكّام القارة قائلاً لهم ، «إن القانون هو القانون..لا أحد فوق القانون، ولا حتى الرؤساء.. التقدّم يرتبط بالديمقراطية.. الأفارقة يستحقون شرف إدارة شؤونهم بأنفسهم.. التقدّم الديمقراطي يصبح في خطرعندما يرفض الزعماء التخلي عن الحكم»..! ٭ عاد أوباما الى موطنه الأول كما عودة الأبطال الاسطوريين.. رُبَّ قائل يقول إن أوباما «حقيقي» وأن مصطفى سعيد كان مجرد خيال، أو شخصية «روائية»..! ولكن من قال إن هناك فرقاً بين الحقيقي والمتخيل في عالم اليوم..؟ فربَّ قائل، إن أوباما نفسه، محض ممثل ذكي يؤدي دوره في مسرح عالمي مفتوح، أنت نفسك عزيزي القارئ جزءً منه..!!