السفير الشهير «عبدالله جوبا» هل تذكرونه؟! وميلاد «كنانة» وطفرة النسيج والعمارة الخلابة على شارع النيل وأيادي الخير تنداح بلا منٍ أو أذى.. منارات مضيئة تزدان مع الزمن ككل «تذكار عزيز» لتجعل من الكويت دولة في الخاطر وإن تبدل الهوى وتجاسرت المستجدات.. من بعيد تتراءى ملامح لدولة ناهضة راسخة الخطى مرت بظروف صعبة اجتازتها محتسبة بفضل مجتمع متماسك وتجربة برلمانية مشهودة وهامش لحرية الصحافة مقدر ثم الدور الثقافي لمجلة «العربي» - هذه الجامعة العربية. هكذا تواترت الخواطر حين فوجئت بعائد من الكويت.. استرجعت في حضرته صدى الاسم الراسخ عبر سنين طويلة مضت وفي ذهني تلك الصورة الإعلامية الثقافية الطاغية التي ناصرت شعبها إبان مشاركتنا في احتفالية «الكويت عاصمة للثقافة العربية 2001».. كان هذا البلد الصامد يتعافى من آثار الاجتياح الذي تعرض له حينذاك، فوقعت منهم زيارة الوفد السوداني موقعاً حسناً انعكس خلال الفعاليات التي حولت الكويت إلى مرفأ عربي ثقافي لا يضاهي وتسابقت الكاميرات في عكس صورة مشرقة لعاصمة عربية صامدة ثقافياً وإنسانياً، وكذلك فعل تلفزيون السودان وتميز ونال إشادة.. تلاحقت المبادرات واحتاجت لمن ينصفها إعلامياً. كانت سانحة طيبة أن أصادف في الخرطوم مرجعاً إعلامياً دستورياً مواكباً منصفاً هو الدكتور محمد أحمد سالم «خبير برلماني، مرجع دستوري، محاضر بالجامعات».. كان قادماً من الكويت حيث اختير للعمل بها مستشاراً قانونياً لبرلمانها العريق.. تفقدنا الأحوال ومآلات تلك العلاقة المميزة بين البلدين والعديد من المشاريع والمؤسسات المتصلة بالجمهور، عمران فريد على شارع النيل، سكر كنانة، الدواجن، الأعمال الخيرية.. يذكرني المستشار شراكة كويتية سودانية ضخمة في مجال صيد الأسماك وصناعة النسيج مع رجل الأعمال خليل عثمان ضمن تعاون ثنائي واسع في السبعينيات برعاية وزير خارجية الكويت وقتها سمو أمير البلاد الآن حفظه الله، مما ارتقى بالعلاقة حينذاك. يضيف فخوراً: كانت لنا جالية من أكبر الجاليات عدداً وتأثيراً، وكانت للخطوط الجوية الكويتية رحلات يومية للخرطوم.. ومن أبرز معالم تلك الفترة ذلك السفير الزسطورة عبدالله السريع «بتشديد السين والياء وكسرهما».. فقد شكل ظاهرة دبلوماسية عربية أفريقية فريدة وكان عنواناً لعلاقة الكويت المتميزة بالسودان العربي الأفريقي، وشكل نشاطه الدبلوماسي بعض مظاهر نجاح دبلوماسية السلام عقب اتفاقية أديس أبابا «1972» وتفرد بنشاطه المكثف بين الخرطوموجوبا حتى أطلق عليه هذا الاسم الذي اشتهر به «عبدالله جوبا».. رمزية التواصل الدبلوماسي السوداني الكويتي من خلال شخصيته ظلت باقية، فاليوم له «ديوان» مفتوح تعده أسرته كملتقى لعارفي فضله ليتنا نرى له فرعاً بالخرطوم دليل وفاء لصاحب الذكرى وإعزازاً بدور بلده. كأننا كنا نبحث عن سلوي.. يسارع د. سالم فينوه لدور سفير الكويتبالخرطوم حالياً الأستاذ طلال الهاجري ليقول عنه إنه محب للسودان، يدفع بالعلاقات لتتجاوز نهائياً ما كان قد ران في الأفق يوماً.. يعزز ذلك وجود سفير للسودان بقامة الأستاذ محيي الدين سالم «خبرة كبيرة في العمل بالخليج لنحو تسع سنوات أمضاها بالإمارات، ولديه تصور كامل لتطور العلاقات في ضوء خبرته».. ويضيف: من مظاهر نمو العلاقة بين البلدين ما لاحظته خلال عامين أمضيتهما هناك ومنه وصول أعداد مقدرة من شتى التخصصات، زطباء، قانونيين، أساتذة جامعات.. وهم مرحب بهم ومحل إشادة تعكسها الصحافة ووسائل الإعلام ونلاحظها في ملامح الشارع الكويتي.. إن مواقف السودان اليوم تجعله الأقرب إلى قلوب الكويتيين - هكذا يتحدث المستشار سالم. وماذا عن الكويتيينبالخرطوم؟.. أورد المستشار أمثلة.. وفود زائرة دون انقطاع يتصدرهم مستثمرون بحقائبهم مشروعات جديدة، وضمن جهود الكويت افتتح مؤخراً بالخرطوم فرع للجامعة العربية المفتوحة، وفي الأخبار أن الأمين العام لمجلس الأمة الكويتي زار جامعة الخرطوم مؤخراً «الرأي العام 02/ 8».. هناك رجال أعمال يعملون على استعادة مواقعهم كمستثمرين لهم سابق دراية بمزايا الاستثمار في السودان.. مجهودات العمل الخيري متعاظمة ولم تتوقف يوماً، إنها أكثر من 40 جمعية تمتد استثماراتها بين الخرطوم، شندي، الضعين وهمشكوريب وتشمل التعليم، المياه، الصحة، دعم الخلاوى ورعاية الحفظة، حفظ الله الكويت وصرفها عن ما كان أحزنها. الكويت اليوم تبدو منفتحة، إشراقاتهم تتري على فضائيتهم وبرنامجها الصبوح «رشراقة وطن». واضح أنهم بإشراقاتهم تجاوزوا الأحزان. أحس من انطباعات المستشار ومرافعاته الأنيقة وقراءته الذكية للأحداث وتفسيراته اللماحة أن السودان منفتح تجاه الكويت، فزيارة الرئيس السوداني لها مرات ثلاث في فترة قصيرة كانت للتضامن العربي لكنه يصنفها تعزيزاً للعلاقات مع الكويت نحو أفق جديد يتناسب مع ما شهدته في الماضي.. روايات الماضي تبلغ بالعلاقة درجة الفخر، ومنها ما يكشف عنه المستشار، ذلك الموقف المشهود للجيش السوداني في الستينيات حين هب لمناصرة الكويت ضمن مشاركات عربية كانت محل تكريم.. في مقام هذا التكريم اتخذ «جيشنا» موقفاً سودانياً صميماً تجاه الكويت خلدته الكلمات: «هذه بلدنا وهذا واجبنا».