كان حفل توقيع المرحلة الثانية لمشروعات التنمية بدارفور والذي ترعاه السلطة الإقليمية، بمثابة فصل جديد من فصول الصراع المتكرر بين حركات دارفور ، والتي رسخت نظرية الانشطار الأميبي داخل صفوفها، حيث لم تصمد حركة التحرير والعدالة الموقعه على وثيقة الدوحة طويلاً، وسرعان ما رفعت شعار «الانقسام» الذي برز بشكل لافت في الحفل المذكور عقب تهجم مجموعة تتبع لحزب التحرير والعدالة الذي يقوده وزير الصحة بحر إدريس أبو قردة وإفسادها للمناسبة التي احتضنها فندق السلام روتانا مساء أمس الأول في وجود مسؤولين وحضور دبلوماسي كبير عقب وقوع ملاسنات واشتباكات بالأيدي. الذي حدث فوضي وعمل غير متحضر بحسب وصف مدير مكتب سلام دارفور د.أمين حسن عمر الذي كان شاهداً على ما جرى وغادر المكان مغاضباً، لكن يبقى السؤال لماذا حدث ما حدث ولماذا وصل الحال إلى هذا الموقف غير المتحضر - كما وصفه د. أمين؟ عدد من قيادات دارفور التي شهدت الحفل حملت أبو قردة مسؤولية ما جرى من بعض مناصريه من بعض الشباب، سيما وأن أبو قردة سلك مسلك مناصريه واعتدى بالضرب على وزير رئاسة مجلس السلطة محمد يوسف التليب الذي كشف ل«آخر لحظة» عن الحادثة التي كشفت افتقاد ابو قردة لكروت إدارة صراعه مع سيسي، رغم أن بحر يباهي بأنه ماهر في الإدارة ومتمكن منها، فبعد تعيينه وزيراً للصحة، قال في أحد اللقاءات: « أنا لست طبيباً لكنني متمكن من الإدارة وسوف اجتهد لتسيير عمل الصحة وهي من الملفات المهمة « وها هو في طريقه لفقدان أهم الملفات ملف دارفور الذي أوصله لوزارة الصحة، وكان متوقعاً انفجار الأوضاع بعد الأزمة المكتومة بينه ورئيس حركة التحرير، رئيس سلطة دارفور د. التجاني سيسي وهي الأزمة التي أدت لانشطار الحركة لقسمين، تحولا لحزبين خاضا الانتخابات، والتي هي الأخرى لم تكن من مصلحة أبو قردة، بل كشفت ظهره، حيث نال فيها حزب سيسي حصة مقدرة من المقاعد على مستوى المجالس التشريعية بالولايات بلغت نحو «51» مقعداً ، بجانب خمسة في المجلس الوطني، فيما كان نصيب أبوقردة بالولايات حوالي ستة مقاعد، واثنان فقط بالبرلمان. ووجه سيسي ضربة قاضية لأبي قردة، حيث خاص الرجل الانتخابات في دائرة بدارفور وسط أهله وانصاره ب«مكجر، بوسط دارفور» بينما تخندق أبو قردة في الخرطوم، وترشح في الدائرة (3) أمدرمان جنوب أبو سعد، وهذه إشارة صريحة لتحاشي بحر خوض الانتخابات في المكان الصحيح، وهو دارفور، مما أسهم في تباعد الشقة بينه وقواعد الحركة في دارفور، في مقابل علو كعب غريمه سيسي في دارفور. أيضاً من أسباب الأزمة الراهنة هو أن أبو قردة ابتدع خطة جديدة في حربه على سيسي، بإطلاق أبو قردة وآخرين منهم وزير الإعمار والبنى التحتية بالسلطة الإقليمية تاج الدين نيام اتهامات للسلطة بوجود فساد مالي داخل مؤسساتها بجانب إهدار للمال العام، وهو الأمر الذي عجز نيام وبحر عن إثباته حتى الآن، بل إن السلطة مضت في إنفاذ وافتتاح مشروعات ضخمة بدارفور فاقت الثلاثمائة مشروع، ومُنحت صك البراءة والنجاح من ولاة دارفور، وبرأت المالية الاتحادية السلطة من ارتكاب أي تجاوزات مالية علي لسان وزير الدولة د. عبد الرحمن ضرار، وفي هذا الجانب تجاوزت السلطة بحر أبو قردة رغم أنه وزير صحة وافتتحت مشروعات صحية بحضور مسؤولين، مما كان خصماً على بحر إدريس. المرجح كذلك أن بحر عمد على إفشال تدشين الخطة الثانية من مشروعات السلطة، نتيجة لضعوط تمارس عليه من مجتمعات دارفورية، خاصة وأن بعض المناطق لم تنفذ فيها مشروعات بسبب عدم تسليم حكومات الولايات الأرض لسلطة دارفور، فضلاً عن أن اكتمال توقيع المشروعات وفتح مظاريف العطاءات بمثابة بداية النهاية السياسية لأبي قردة، وذلك لأن اتهاماته لوجود فساد مالي في السلطة ذهبت أدراج الرياح وانتقل للخطة الثانية وهي توجيهه لانتقادات شكلية للسلطة، ذات طابع إداري ممثله في عدم عقد اجتماعات راتبه للسلطة، ولم تؤتِ اتهاماته أكلها. كما أن أبو قردة مضى في الآونة الأخيرة في الاستقواء بمجموعات من دارفور كان على رأسهم عضو البرلمان السابق فاروق أحمد آدم، حيث أعلنوا عن تشكيل هيئة شعبية لتقييم وثيقة الدوحة، وعقدوا منبراً في مركز بحثي بالخرطوم، في حين أن للاتفاقية هيئة تقييم دولية هي اللجنة الدولية لمراقبة وتقييم وثيقة الدوحة لسلام دارفور. وآخر الصراعات هو الحديث عن رئاسة السلطة بعد تمديد الحكومة لأجل «الإقليمية» لمدة عام ومهما يكن من أمر، فإن أبو قرده فقد كثيراً من كروته، بل إنه أقحم الحكومة هذه المرة من خلال ملاسنته مع رئيس مكتب سلام دارفور في حفل أمس الأول الملغي، مما قد يعقّد حساباته السياسية.