فريق الهلال العظيم تقاعس عن تلبية تطلعات وآمال جماهيره في مباراته على أرضه ضد فريق التطوان المغربي وانهزم وسط جماهيره، وأدخل مجموعته في تعقيدات بالغة لم تحدث من قبل في منافسات البطولة الأفريقية، إذ تبقت مباراة واحدة فقط لكل فريق من الأربعة، ولم يحسم أمر صعود فريقين للمباراة قبل النهائية وأصبحت كل الاحتمالات واردة.. لو أحسن الهلال الأداء في مباراته مع المغربي وانتصر كان سيضمن الصعود للمباراة قبل النهائية غض النظر عن نتيجة مباراته الأخيرة مع فريق سموحة المصري الشهر القادم. أوضاع السودان أيضاً تعقدت فجأة بعد رفض الحكومة التفاوض خارج السودان حتى حضور الاجتماع التحضيري للحوار، وكانت قد وافقت عليه حسب ما جاء في قرار مجلس السلم والأمن الأفريقي رقم 456 بتاريخ 12 سبتمبر 2014م وتوقيع الأستاذ أحمد سعد عمر وزير شؤون رئاسة مجلس الوزراء آنذاك وحتى اليوم، وكذلك د. غازي صلاح الدين عن المعارضة، وحسب القرار 456 كل المطلوب أن يجلس الطرفان «الحكومة والمعارضة» في أديس في اجتماع تحضيري لوضع خارطة طريق للحوار والمفاوضات التي يمكن أن تجرى داخل السودان، فريق الحكومة فقد نتيجة المباراة بعد إبلاغ أمبيكي في الخرطوم إبان زيارته الأخيرة قبل أسبوعين قراره بعدم المشاركة في أية خطوة من خطوات الحوار خارج السودان حتى الاجتماع التحضيري، وبذلك تعقدت المنافسة كما عقد الهلال منافسته ومعه ثلاثة فرق تنافس على التأهل هي الهلال نفسه، ومازيمبي والتطوان، والحكومة عقدت منافستها التي فيها ثلاثة فرق أيضاً هي الحكومة نفسها، والمجتمع الدولي والأفريقي المنادي بالتسوية، ثم فريق المعارضة المنادي بقبول التسوية والهبوط الناعم بقيادة الإمام الصادق والحركة الشعبية قطاع الشمال وحركتي د. جبريل ومناوي من دارفور.. فريق الحكومة هو الأقوى والمرشح للحصول على بطولة حفظ السودان من الفوضى والانهيار الاقتصادي. بهذه المقدمة نسلط الضوء على الملابسات والظروف والأحداث التي أدت إلى فقدان الحكومة لمباراة سهلة أدت إلى تعقيدات وفتحت الطريق لكل الاحتمالات التي نوردها في الختام: أولاً: تزامنت ثلاثة اجتماعات ولقاءات مهمة في وقت واحد، الاجتماع الأول هو اجتماع الشورى القومي لحزب المؤتمر الوطني والذي عقد يوم 21 أغسطس الحالي، وفيه انتقد الرئيس بكل شجاعة وصدق أداء المؤتمر الوطني، وانفصال القواعد عن القيادة التي أسفرت عن ضعف الإقبال على الانتخابات الأخيرة، زائداً تشبيه المؤتمر بالاتحاد الاشتراكي في نظام نميري، والذي انتهى بنهاية نميري، ثم استشعاره وقلقه من معاناة المواطنين الذين صبروا كثيراً ولن يصبروا إلى ما لا نهاية.. هذا النقد القوي والإشارة إلى انفجار الجماهير المحتمل، يعتبر مؤشراً واضحاً لسياسات الرئيس في دورة حكمه الأخيرة بالانحياز لرغبات الجماهير.. في هذا الاجتماع أيضاً برز عزوف وعدم حماس واضح من قيادات تاريخية في المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية بصفة خاصة، أمثال د. نافع، وأستاذ علي عثمان، وأمين حسن عمر وخلافهم.. كل هذا العزوف وعدم الحماس يجب أن لا يُقرأ بمعزل عن تصريحات د. الترابي عن النظام الخالف قبل شهور قليلة، وحديث علي مجوك رئيس شورى الرزيقات لآخر لحظة عدد الثلاثاء 25 أغسطس الحالي، بأن هناك مجموعة تخطط لمؤتمر وطني جديد، والاجتماع الثاني تم يوم 22 أغسطس في منزل الأستاذ إبراهيم الشيخ رئيس المؤتمر السوداني، وحسب ما أورده الأستاذ عثمان ميرغني في صحيفته التيار، عدد الاثنين 24 أغسطس في تغطية شاملة في صفحة كاملة تحت عنوان «لقاء مختلف»، وجلسة ما منظور مثيلها، ضم الاجتماع قيادات منبر السلام العادل وفصيلاً من البعث، والمؤتمر الشعبي، والاتحادي الأصل، وحزب أقم، والمستقلين، والإصلاح الآن، وحزب التضامن، وقيادياً بحزب المؤتمر الوطني، إضافة إلى الأستاذ عثمان ميرغني.. أهم مخرجات اللقاء كما أوردها عثمان ميرغني، أن الوضع في السودان يمر بظروف حرجة، والمؤتمر الوطني لم يعد بالقوة التي تمكنه وحده من انتشال البلاد من مهددات محرقة، وأنه يجب إعداد البدائل وتجميع الصفوف في تنظيم شامل لا يقصي أحداً من الذين يؤمنون بالتوجه الإسلامي، وزنه لا يمكن إقصاء الحركة الإسلامية من الواقع السياسي السوداني حاضراً ومستقبلاً.. خلاصة هذا الاجتماع وعدم حماس بعض قيادات الحركة الإسلامية في اجتماع الشورى، وحديث علي مجوك، أن المؤتمر الوطني بشكله الحالي مُقبل على تغيير تقوده الحركة الإسلامية، يضم كل الأحزاب والفصائل الإسلامية وأحزاب الوسط، مثل المؤتمر السوداني وبعض فصائل البعث، والاتحادي الديمقراطي الأصل، تكوِّن كلها النواة لنظام الترابي الخالف، وهذا التغيير قد يكون حزباً أو تجمعاً مرحلياً.. الاجتماع الثالث هو اجتماع الآلية الأفريقية في أديس يومي 22و23 أغسطس الحالي، والذي أبلغ فيه أمبيكي تجمع الهبوط الناعم، وقبول التسوية بقيادة الصادق المهدي، وقطاع الشمال، وحركة العدل والمساواة، وحركة مناوي بقرار الحكومة رفضها الجلوس في أية مرحلة من مراحل الحوار خارج السودان، والذي شكل إحباطاً عاماً في هذه المجموعة بعد أن كانت تتوقع قبول الحكومة بتسوية المجتمع الدولي، وفي اليوم الخامس والعشرين من أغسطس الحالي أصدر مجلس السلم والأمن الأفريقي قراره رقم (539)، والذي يلزم الحكومة الجلوس في حوار تحضيري بأديس أبابا لوضع خارطة طريق لحوار شامل تشترك فيه كل الأحزاب السودانية دون إقصاء، وكذلك منظمات وتجمعات المجتمع المدني على أن يكتمل الحوار الشامل في فترة أقصاها تسعون يوماً.. أي يوم2015/11/26 م «ستة وعشرون نوفمبر من العام الحالي»، وهذا القرار يعني بالضرورة عدم اعتراف مجلس السلم والأمن الأفريقي بالحوار الداخلي الحالي وبالتالي عدم قبول مخرجاته. ثانياً: من الملابسات والظروف والأحداث التي أدت إلى تعقيد مشكلة السودان انحسار العمل المسلح في دارفور والمنطقتين، الذي تقوده حركات دارفور وقطاع الشمال، وإحكام قبضة الحكومة الأمنية في كل ربوع البلاد خاصة في دارفور والمنطقتين، وعلو كعب القوات المسلحة، وقوات الدعم السريع، وجهاز الأمن والاستخبارات بشقيها المدني والعسكري. ثالثاً: ضعف المعارضة المدنية وتشظيها في أحزاب وتجمعات هشة غير متماسكة، تتبدل كل فترة حتى أضحت غير مفهومة لدى الغالبية من الشعب، مرة نداء السودان وأخرى نداء المستقبل، وقوى الإجماع ثم حركة التغيير، وكذلك التجمعات الإسلامية تختلف وتتفق مع الحكومة في مواقف مثل المؤتمر الشعبي معارض لكن مع الحوار، والإصلاح الآن ضد الحوار، ومنبر السلام العادل، والسائحون.. كل ذلك أحدث ربكة عامة لكن في صالح الحكومة. عليه تكون احتمالات المنافسة كما يلي: أولاً: أن تقبل الحكومة قرار الاتحاد الأفريقي والجلوس في المؤتمر التحضيري في أديس، لوضع أجندة لحوار وطني شامل في مسارين.. الأول يخص المنطقتين بمرجعية القرار الأممي 2046، والمسار الثاني لمشكلة دارفور بصفة خاصة والسودان بصفة عامة بمرجعية القرار الأفريقي 456.. بهذا القرار تكسب الحكومة نقاط المباراة بكسبها الاتفاق مع المجتمع الأفريقي والدولي، وقطاع الشمال وحركة العدل والمساواة، وحركة تحرير السودان «مناوي» وحزب الأمة القومي، وتحالف قوى التغيير، والإصلاح الآن، كلها قطعاً سوف تخسر المؤتمر الشعبي والفصائل والأحزاب الإسلامية الرافضة لأية تسوية تتيح لقطاع الشمال تكوين حزب يساري علماني، وحلف قوي معهم يضم الحزب الشيوعي، وحركة مناوي، وعبد الواحد محمد نور، وبقية أحزاب قوى الإجماع الوطني. ثانياً: الاحتمال الثاني هو رفض الحكومة للقرار الأفريقي 539 والإصرار على مواصلة الحوار الحالي، وعدم الجلوس في أي حوار في أديس، وبذلك يكون كسبها وخسارتها بصورة مقلوبة تماماً بين المجموعات المذكورة في أولاً أعلاه - بمعنى أوضح تكسب نقاط المتشددين وتخسر نقاط المرنين المشفقين على أمن ووحدة السودان، والحادبين على أمنه وسلامته وعدم انزلاقه في الفوضى وأنا منهم. والله الموفق.