إن الإحصاء عنصر مهم في العلوم الاجتماعية والأمنية، وإن الإلمام به أصبح لزاماً على الجميع خصوصاً العاملين في المجالات الأمنية. إن للإحصاءات الجنائية أثرها المهم في كشف الملابسات الأمنية المتصلة بالجريمة. إن الإحصاء لا يمكن أن يكون غاية بذاته أو لذاته - بل هو مجموعة طرق وأدوات ووسائل وأساليب تستعمل لتحقيق غايات مستقلة تتصل بموضوعات الميادين التي تطبق فيها. إن سلطات المجتمع عندما تستخدم الإحصاء لتسجيل الأحداث والواقعات والظواهر وتتابع حركة تجمعها وتطورها - فقد تلاحظ أن بعض السلوكيات التي تهدد سلامة المجتمع، أو بعض فئات تتكرر وتنتظم وتعبر عن نفسها بإخلالات متزايدة فنتائج الإحصاء عبارة عن مكبر يبرز الظاهرة ويعلن عنها، وهي كلما انتشرت وغطت جوانب في المجتمع نجحت في إرساء الأمن الاجتماعي وصونه، فقد اتجهت جميع الدول المعاصرة إلى توفير الأمن بمفهومه الواسع، بحيث تضمن لمواطنيها حريتهم وكرامتهم وتحافظ في الوقت نفسه على كيانهم المعنوي والمادي من كل ضرر أو أذية، ويشتمل هذا المفهوم على أبعاد عديدة أهمها الأمن الشخصي الجسدي، والعاطفي، والأمني المتواصل بالملكية، والاقتصادي والصحي والغذائي والوطني والأمني الثقافي والفكري السياسي والمهني والبيئي والديني وغير ذلك، والوظائف الفعلية للإحصاء هي وظائف أمنية وإدارية وسياسية، أما الوظيفة الأمنية فهي لمواكبة تطور حالات الاعتداء على أمن المجتمع واستقراره واتخاذ الإجراءات المناسبة لقمع المخالفات عند حصولها. والوظيفة الإدارية تتمثل بالاطلاع على المعلومات وتوزيع المهام والمسؤوليات بين الأجهزة لإكمال التدابير بقصد احتواء الواقعات. والوظيفة السياسية تركز أحياناً على الإحصاءات للتأكيد على استتباب الأمن، وبالتالي إظهار نجاح السلطة في تحمل مسؤولياتها وممارسة صلاحياتها وتقبل الجمهور لسياساتها وعدم اعتراضه عليها بأي شكل من الأشكال. وبالرغم من القيام بجميع هذه الوظائف تبقى الاستفادة من الإحصاءات محصورة في حدها الأدنى دون أن تتخطاه إلى الإحصاءات التحليلية أو التنبؤية، وهما مرحلتان متقدماتان على خط معالجة المعطيات الإحصائية الخام، ويتطلب القيام بها رؤية متقدمة لدور الإحصاء الجنائي في البلاد كأداة علمية تسهم في علاج مشكلات الواقع الاجتماعي بجميع أبعاده. فالواقعات والأحداث والحالات الجنائية في مجتمع من المجتمعات هي تغيرات شديدة الوضوح تنبئ عن درجة التوتر الاجتماعي وتكشف عن القضايا المتنازع عليها التي تشكل موضوعاً للصراع.. ومعالجتها تقتضي المتابعة وعدم الاكتفاء بتسجيلها في لحظة معينة. إن الدول العربية استخدمت الحاسب الآلي في مجال الإحصاءات الجنائية في وقت مبكر، ومازالت أجهزة الشرطة تولي استخدام تقنية المعلومات والاتصالات في هذا المجال عناية خاصة، حتى أصبحت لبعض الدول العربية اليوم أرقى البرامج وأحدث تقنيات الاتصال المباشر التي تساعد كثيراً في تجميع قدر وافي من البيانات في الوقت المناسب. إن الإحصاءات الجنائية اليوم أصبحت علماً وفناً وباباً من أبواب المعرفة التي تضم بين جنباتها تخصصات في الإ حصاء القانوني، الاجتماع، الاقتصاد، والهندسة وعلوم الحاسوب الآلي، وتقنية الاتصالات. تلعب الإحصاءات الجنائية دوراً في فتح قنوات التعاون الدولي بتبادل معلوماتها، والاسترشاد بنتائجها في رسم سياسات المواجهة وتدابير الوقاية. إن تحقيق التعاون مع المنظمات الدولية العاملة في مجال الإحصاءات الجنائية يقتضي التنسيق مع تلك الجهات في وضع النظم الإحصائية وتحديد أهدافها، وبيان قنوات إنسيابية داخلياً وخارجياً مع مرعاة الكفاءة والجودة. إن الإحصاءات الجنائية الحالية تحتوي على بيانات كثيرة حول مرتكبي الجرائم، مثل النوع والعمل ومستوى الدخل ومستوى التعليم ومكان الإقامة وغيرها من المؤشرات المشابهة، كما يفترض أنها تقدم نفس البيانات حول الضحية، وبذلك يتم رسم صورة لأهم خصائص مرتكبي الجريمة وكذلك للضحايا. منذ عشرين سنة كان يعتقد بأن المرشد هو أفضل سبيل لدى شرطي الميدان يعتمد في مكافحة الجريمة، ويجب القول بانه في هذه الفترة كان ينظر للإحصاءات الجنائية على أنها مجرد معطيات للتدوين والرصد فقط. وكانت الإحصاءت كذلك يعتمد عليها أساساً في تقييم فعالية مصلحة معينة أو قسم معين من أقسام أو مصالح الشرطة، وربما حتى لتقييم أداء موظف أو موظفين معينين. إن التقدم العلمي الذي حدث في مجال الحاسب الآلي غيَّر مجرى ذلك، بحيث أضحت معطيات الإحصاء الجنائي أداة فعالة وموثوقة ليس فقط في تقييم أداء مختلف مصالح الأجهزة الأمنية. بل أيضاً لمعرفة المحك والدافع الإجرامي في مجتمع معين وفي منطقة جغرافية معينة أو في مدينة معينة أو حتى في حي أو شارع معين. لواء شرطة متقاعد مدير إدارة المباحث الجنائية المركزية الأسبق.