مثلُ الناس، الذين قد تلتقيهم مرة، ولا يغيبون عن ذاكرتك إطلاقا، هنالك مقالات لكتاب، لا تغيب عن الذاكرة! المقالُ الحى، كائن حى.. له قلب، وله روح، وبالضرورة له جسد.. وأنت- حين تلتقي هذا المقال- لكأنما تلتقي من يتنفس في هذا الوجود: إنسانا- بكل ماتعنيه كلمة إنسان- أو وردة صبية، توسوس بالعبير، أو نبتة تهفو إلى الأعالي.. أو أي من الكائنات الحية في هذا الكون العجيب! المقالاتُ التي تظلُ لا تتدثرُ بغبار النسيان، في الذاكرة، كثيرة. أنت- بعين ذاكرتك- تظلُ تقرأها.. وتقرأها، لا تملها أنت، ولا هى يصيبها منك الملل! الأمثلة كثيرة، للمقالات التي تظل تحيا في الذاكرة، بعد أن غابت عن العين، وأنزوت في مكان ما، من أمكنة الإرشيف! الأرشيف؟ يااااه.. ما أجمله.. لو سألني صحافي، ماذا كنت لتتمنى، لو لم تكن إنسانا، بلحم وشحم وعظم وعضل وعصب وعقل ووجدان وخيال، لأجبته بأنني كنتُ لأتمنى لو كنتُ إرشيفا، يلتقيني من يقلب في صفحات الكتابات، وألتقيه. إنني أحب الإنسان القارئ.. أحبُ الإنسان، الذي يدخل الأرشيف.. ذلك العالم العجيب.. إنني أحبُ الإنسان الذي يستنهض الماضي، عقله ووجدانه وخياله.. وتستنهضه الذكرى! الإنسانُ، كما هو إبنُ اللحظة الآنية، وما قد تجيئ.. هو إبنُ مافات.. هو إبنُ الزمن، إنني لأعجب من أناس يريدون باللأفعال الخرقاء، أن يقطعوا دابر الإنسانية، بتفجير إرشيفها، ذلك الذي يتمثل في آثارها التليدة! ذلك فعل أخرق.. والفعلُ الأخرق هو فعلُ كل من لا يتدبرُ أمرا، ولا يُحسنُ صُنعا! أترك الآن، الخُرق، إلى المقالات التي لاتموت.. إنها كما قلتُ، كثيرة. لا يزال يعيش في ذاكرتي مقال للكاتب( البهلواني الجُملة) الساحر السعودي محمد الرطيان، عن الفكرة.. وكيف أن الفكرة تفزعنا! فكرة المقال- بحد ذاتها- أفزعتني طربا! لا زلتُ- والمقال لايزال يتنفس في ذاكرتي- أطربُ فزعا، لفكرته. نعم.. الفكرة تفزعنا يا الرطيان.. وأحيانا- وتلك مني- تفزعُ منا نحنُ الفكرة، ذاتها! الرطيان، قال لنا: كونوا صناديد، لا تخافوا من الأفكار. أراد أن يقول لنا: " حرروا عقولكم من كل باطل أباطيل، يريد أن يقيم جدارا عازلا في عقولكم، من الأفكار، تحت دعوى حماية العقول! مثل هذه الدعاوى،( تربسة) للعقل في قفص.. وبالطبع العقول التي تتربس في الأقفاص، لا تستطيعُ أن ترفرف بجناحين، في فضاء المعرفة.. ولا تستطيع الشدو الجميل! الساحرُ- الرطيان- قال لنا، إنه لا يفزعُ من الفكرة الجديدة. قال مايفزعه هو توقفك أنت عن التفكير.. مايفزعه هذا الجدار، الذي تشيده أنت بنفسك، أو يشيده غيرك، في عقلك، ليفكر هو إنابة عنك أنت! فكر، فإنما أنت مفكر.. تلك دعوة مني لك، لا أريد منها جزاء، ولا شكورا. افتح شبابيك عقلك، تدخل الأفكار.. الأفكار- أيها الناس- أغلى الحبايب!