٭ في بلادي.. الألم والمرض ديدن حياة.. رسم منقوش بدلاً عن الحنة في الأنامل والحناجر.. الوجع مفروش على أرصفة حياة الناس.. تردي الخدمات الصحية.. حقيقة ماثلة.. قديمة ومتجددة.. وناقوس الخطر يدق في كل مكان.. ما بين القرى والمدائن أصبح واقع مهنة الصيدلة يدعو للرثاء.. ولسان حال معظم الذين يمتهنون هذه المهنة يقول «البلد دي ما عندها وجيع».. وكم توجع الأحاديث والثرثرة حين تعبر عن واقع معاش وماثل.. تمتليء الأسافير ووسائل التواصل الاجتماعي بقروبات نسائية كثيرة أشبه بأسواق صغيرة لترويج مستحضرات التجميل والعطور وغيرها.. تمثل ملاذاً لكل الباحثات عن الجمال والنضارة والإطلالات المميزة.. والكثيرات يجدن ضالتهن المنشودة وأكثر.. وأخريات من صاحبات هذه الصفحات يجتهدن في توفير وسائل لتوصيل الطلبات للزبائن في أماكنهم إمعاناً في كسب المزيد من الأرباح وسعياً وراء راحة المشترين. ٭ إن التسويق والإعلان عبر وسائل التواصل الاجتماعي فكرة مبدعة وخلاقة وقليلة التكلفة.. ولكن في بعض المجالات مثل مجال تسويق الأدوية والمستحضرات الصيدلانية تبدو كسلاح ذي حدين.. رغم الأرباح الطائلة.. إلا أن عدم وجود رقابة كلية ومباشرة تزيد من مخاطر استهلاك هذه المنتجات. ٭ بالعودة لموضوع القروبات النسائية.. فإن الملاحظ لحركة البيع والشراء هذه الأيام يجد أن هنالك تطوراً ملفتاً وخطيراً.. إذ انتقلت ربات هذه الأعمال من تسويق الأعشاب والخلطات الطبيعية إلى تسويق أنواع مختلفة من الحبوب والحقن لتفتيح البشرة والتسمين الموضعي وغيرها من المركبات الكيميائية الخطيرة.. إرضاءً للباحثات عن الجمال السريع.. وقد تقودهن ذات السرعة للموت البطيء ولو بعد حين. ٭ معظم هذه الحبوب والحقن هي في الواقع غير مسجلة وفي معظمها تأتي مهربة وتستعمل في بلاد أخرى لعلاج أمراض مستفحلة مثل داء الكبد ولكن التفتيح أي تقليل نسبة الميلانين في الدم.. يعتبر من آثارها الجانبية.. بينما تسعى الفتيات هنا في السودان لاستعمالها غير المقنن مما يعرض حياتهن للخطر. ٭ عدم وجود رقابة على الأسافير ووسائل التواصل الاجتماعي يجعل الكثيرين من بائعي الأوهام يسرحون ويمرحون بلا وازعِ أو رادعِ.. ولكن من السهولة بمكان رفع وعي الناس بمخاطر هذه الأدوية التي تباع عشوائياً مع الجهل التام بمكوناتها.. مع الأخذ في الحسبان أن خبراء دوليين أطلقوا تحذيرات بشأن المواد المسببة للسرطان ومن بينها مثل هذه الأدوية المجهولة المصدر.. إذ أن الدواء لا يباع ولا يوزع إلا إذا كان مسجلاً في بلد التوزيع والبلد الذي استورد منه وفق إجراءات محددة قانونياً.. كما أن هنالك الكثير من الأدوية المغشوشة تغزو أسواق العالم وحجمها لا يعرف على وجه الدقة.. لأن تجارة الدواء أصبحت من أهم مدخلات الأرباح للمافيا في العالم. ٭ وبالعودة لواقع مهنة الصيدلة.. فإن الكثيرين أصبحوا عبر الكورسات القصيرة المدى ينالون لقب دكتور.. ويمشون بين الناس الهوينى.. وتبدأ معاناة المرضى مع جهلهم وقلة ثقافتهم الدوائية.. وما زالت المؤسسات الصيدلانية بمختلف تخصصاتها في جدل مستمر للبت في شأن هذه المعاهد التي تعطي للكثيرين حق تقرير المصير للمرضى.. وذاكرتي ملأى بقصص وأحداث لا يتسع المجال لذكرها.. لأن مثل هؤلاء مع قلة خبرتهم يجعلون حياة المرضى في خطر ومصداقية الصيادلة وسمعتهم على المحك.