٭ أغرم الفنان التاج مكي في بداية مشواره الفني بعذراء من كسلا، بعد أن جاء إليها من مدينة كوستي مرافقاً لوالده الذي كان يعمل موظفاً بالمدينة.. أخذ التاج يلاحقني باستمرار أن أكتب له قصيدةً تعبر عن (شاكوش) جارح تلقاه على قلبه من عذراء كسلاوية العيون، فما كان مني إلا أن أكتب له أغنية (حبيت عشانك كسلا)، وقد تساءل الكثيرون من أصدقائي كيف لي أن أفضل عيون حسناء على عيون كسلا، وهي الأم التي نشأت بين أحضانها، حيث من المفترض أن يكون حبها مقدماً على كل حب.. وقد جعلني هذا الموقف أجعل الباب موارباً بيني وبين بعض (عشاق الشمارات) خوفاً على أخي التاج، لأن مجرد كشف المستور عن خلفية الأغنية قد يعرضه إلى هلاك مؤكد.. بعد أكثر من ثلاثين عاماً ذهبت إلى مدينة كسلا في زيارة عابرة فالتقيت ببطلة (حبيت عشانك كسلا) فقلت لها ممازحاً:(صوت السواقي الحاني ذكرني ماضي بعيد).. فقالت لي ضاحكة: (وعلى الرمال آثارك طرتني ليلة عيد).. أكد لي ذلك أن الحب الأول لا تموت له ارتعاشة ٭ كان الدكتور الراحل أحمد عبدالعال الفنان التشكيلي المعروف زميل دراسة لي بمدرسة (وقر) الثانوية.. كنا نتقاسم حجرة واحدة في داخلية بها أكثر من مائة طالب.. كان أحمد من الطلاب المجتهدين، وكان يرفض دائماً أن تطفأ الأنوار في وقتها المحدد، لأنه يود أن يواصل استذكاره.. وكنت أنا أتمنى أن تطفأ الأنوار في وقتٍ مبكر لأنني أريد أن أنام.. وقد عرَّضنا ذلك لكثير من المشاكل الصغيرة الحلوة أحياناً، باعتبار أنني طالب غير جاد، وأنه الطالب الذي يسعى أن يكون علماً في سوداننا الحبيب.. في ليلة ما وجدت نفسي أرقد مريضاً بحمى الملاريا.. حاول معي أخي أحمد أن أرى طبيباً، ولكني كنت أرفض ذلك بشدة خاصةً وأن منظر الإبر المستعملة في علاج الملاريا كانت تثير فزعي.. وقد تم الشفاء لي منها بدون أن أتلقى حقنة واحدة.. وكنت كل ما التقيت بهذا الإنسان الجميل ناداني قائلاً: أهلاً بالرجل الذي قاتل جرثومة الملاريا.. ثم يضيف: لقد قتلت الملاريا الآلاف من البشر، ولكنك أنت الوحيد الذي تمكن من إقامة الحد عليها، وذلك يؤكد أن الشعراء محصنون بالكلمة الحلوة من كل الأمراض. ٭ أطلت عليه بعد غياب مستحيل لم يكن يتوقع أن يراها مرة أخرى، لم يكن يتخيل أن الأيام الخريفية العيون سيرجع إليها بريقها بعد أن تمت محاصرتها بحوائط من المبكي من كل إتجاه، أطلت عليه ليبدأ الجرح بتسليم أنفاسه من جديد ليرمي بها إلى ساقية من الحزن لا يهدأ لها أنين، ولا تنام لها عيون.. أطلت عليه بعد أن تركته زماناً ينام على سكاكين من الأسى، ويصحو على أنفاس لها طعم الرماد ٭ حين قرأ أحد القضاة البريطانيين الملف الخاص بكهل أتهم بجريمة سرقة قطعة من حلوى يحملها لطفله، وجد أن ملفه الصحي يشير إلى أنه مصاب بالسرطان، وأن أيامه في الحياة لن تتعدى أشهر.. فدخل في صراع حاد مع ضميره كيف تسمح له نفسه وهو الذي يمثل عدالة القانون أن يحكم على كهل شبه ميت، ويدفع به إلى زنزانة باردة الجدران، وفجأة أصدر قراره ببراءة المتهم، ثم أعلن بصوتٍ ثابت النبرات أنه يتقدم باستقالته لهيئة المحلفين ثم غادر قاعة المحكمة بضمير مستريح. ٭ كثيرون لا يعلمون بأن الرئيس الأمريكي الراحل (جوني كنيدي) كان يعاني من عاهة خلقية في ظهره لم يكن يستطع معها الإنحناءة نحو الأرض، كانت زوجته جاكلين كنيدي تتكتم عنها حفاظاً على طلعته الوسيمة أمام المجتمع البريطاني، ويقال أإنها حاولت أن تسحبه إلى داخل السيارة حين انطلقت تلك الرصاصة القاتلة نحو رأسه، إلا أنها فشلت في ذلك نسبة لعدم قدرته على الإنحناء بسبب تلك الإعاقة، فمات ودمه يتناثر على وجهها الجميل.