الدنيا عيد وفى بيوتنا حجيج هم مكان الإحتفاء والإكبار، كل عام وأنتم بخير . إنى أنظر حولى فأرى عجبا، هذه الوجوه النيرة حتى لنكاد نغبطها هي ذاتها تلك التى ظلت مغبونة تشكو مصير كدح السنين ورحلة ما بعد رهق العطاء فإذا هى تسطع مكانا لتشكل الحدث الأكبر كما يتراءى لنا المشهد على الأبواب و(ياداخل هذا الباب صل على النبى المختار) بعد أن غمر الآفاق وسيطر على شاشات القنوات المتنافسة على كشف أسرار الحج. أول هذه الأسرار هو(الأستطاعة) كيف تسنت هذه الإستطاعة لمن عرفنا أوضاعهم من المعاشيين الذين جأرت الصحف بعرضحالاتهم؟. كم من مقالات فى هذه الصحيفة وحدها مما لم يجف حبره بعد. وبالمقابل شاهدنا تفويج الحجيج من الولايات والى المدينةالمنورة رأسا ومكة المكرمة ومنى فعرفة . إنه مشهد يثير الغبطة حقا وكذلك الغيرة ومكامن الأشواق ، اللهم أوعدنا. الغبطة سببها أنهم تحديدا قد جاءهم المنادى وتحولوا إلى ضيوف للرحمن، ثم إن منزلتهم من الناس والمكانة التى أصبحوا فيها لا تضاهي. أما الغيرة فهى جراء الحفاوة التى أحاطت بكبارنا وأولها كونهم أكرمهم الله ثم من بعد إحتفى بهم الأبناء الذين وفقهم الله لرد الجميل وتمكينهم من الإستطاعة لإدراك فرصة العمر المفرحة لمن ناداه المنادى وقد تقدم العمر واستطابت التجربة وتعاظمت الأشواق لتلك الديار. المشهد يثير الخواطر ومكامن العزة فى نفوس الأجيال التى مازالت تباهى بكبارها وتتقى الله فيهم فيعود ذلك خيرا كثيرا عليهم وعلى البلاد كلها . الفرح يتعاظم الآن فى إستقبال الحجاح الذين أنصفهم الأبناء ، ويثير فى نفس الوقت خواطر شتى وتساؤلات ملحة من قبيل: متى تنصف الدولة هذه الفئات ممن أفنوا شبابهم فى خدمتها فترد لهم حقوقهم كاملة وقد استقطعت بأغلى عملة وفى أبهى زمان وعبر مسيرة كفاح؟. الأمر محير أن لاننصف من هو جدير بالإنصاف. إن صورتهم الكالحة بعد زهوها أعيدت للأذهان فى هذه الأثناء فكتب كاتب يذكرنا بأنهم(موظفون كانوا يكسبون وظيفتهم مهابة ويضيفون إليها نشاطات إجتماعية محبوبة عند الناس ساقهم المعاش إلى حمالين على ظهورعربات الكارو) هكذا كأنما(دخلتهم عين)، والكلمات للدكتور هاشم الجاز(آخر لحظة 2 / 11 ) تحت عنوان(متى يعيش المعاش المعاشيين) قارن فيه أوضاع المعاشيين فى بلادنا مع نظرائهم فى بلدان أخرى فقال متعجبا(فى معظم دول العالم يخرج الموظفون العاملون للتقاعد ضاحكين مستبشرين لأن حياتهم تبدأ بعد المعاش إذ يحصل هؤلاء على رواتبهم كاملة مع إمتيازات فى التنقل المجانى بوسائل النقل وتخفيضات كبيرة فى الفواتير والخدمات ويحتفى بالمعاشى المجتمع والحكومة). وفى مقال آخر بلغة الارقام كتب د. هاشم متسائلا عن مصير أموال المعاشات أين تذهب؟!. كثرت مثل هذه التساؤلات وكثر الحديث عن حظ البشر من الإنصاف فى بلدان غير المسلمين . صادفت قادما من بعض هذه البلاد فأفاض فى أمثلة للأوضاع المعاشية المشرفة حتى أسكتناه بمقولة قديمة شائعة للشيخ محمد عبده وكأنه قال بها فى هذا المقام تحديدا(ذهبت للغرب فوجدت الإسلام ولم أجد المسلمين، وعدت لبلاد المسلمين فوجدت المسلمين ولم أجد الإسلام)! أما كنا أولى بإكرام الإنسان الذى كرمه الله؟. يبدو أن اصحاب القرار فى هذا الشأن لا ينتبهون لهذا الواقع أو هم لا يقرأون الصحف تنشر يوميا فيضا من التراكمات المجحفة وغير المبررة. قرات فى«اخر لحظة» (8/ 11 ) بقلم محمد على خوجلى يقول بالأرقام والوقائع والمستندات ما لا أحتمل إعادة نشره فأجدد الآلام فى كل من بقيت فى نفسه ذرة شعور منصف لفئات عزيزة من المجتمع أعطت بلادها ولم تستبق شيئا واستقطعت لمعاشها من حر راتبها وبالعملة الأوفر. خاتمة المقال تغنى عن تفاصيله(إن الظلم وعدم إبراء الحكومة ذمتها المالية هو الذى يجلب لها التعثر فى خطواتها) ولم يطالب بغير(رد الحقوق إلى أهلها وجبر الضرر ورفع الظلم بالإزالة الفورية للتمييز بين فئات المعاش والإلتزام بتطبيق القوانين التى صدرت لصالح المعاشيين). لماذا لا تنفذ القرارات السابقة والقوانين الصادرة وتسن أخرى أكثر إنصافا؟ صادفت وكيلاً سابقاً لوزارة المالية فسألته بحكم أنه كان بيده القلم يوما وبدل أن يجيب مضى يشكو لى من وضعه المعاشى مر الشكوى!. للمفارقات بقية، فمن المقالات ما يذكرنا بأوضاع المعاشيين الجاذبة لدرجة أنها يمكن أن تجلب الحسد فى بلاد أخرى ليست معنية أكثر منا بإنسانية الإنسان الذى كرمه الله ، فلقد تصدرت الأخبار تظاهرات فى فرنسا ضد رفع سن التقاعد من 60 الى 62 عاما لأنه يؤخر الإستمتاع بالمعاش الذى يضيف إلى جيب المعاشى إمتيازات على راتبه الكامل، حتى إن إنقلابا حدث فجاءت وزارة جديدة مغايرة فى توجهاتها متأثرة بتظاهرات المعاشيين للمحافظة على إمتيازاتهم . هذه صورة لمعاشيين محسودين يعيشون على كوكب الأرض هذا نفسه بلادهم متحضرة نعم لكنها ليست أولى من بلادنا بالعدل وبإحقاق الحق، فإلى متى هذه الشكاوى طلبا لحق معلوم؟ الأمر قد يستدعى(حملة) تضع حدا لهذه(الحالة) غير الإنسانية وتحسم ما استعصى وتجبر الخاطر وتدع الدولة تطمئن إلى مآلاتها بوضع حد لظلامة أى متظلم. الصحافة هى الأقدر على إشعال مثل هذه الحملات وهناك أمثلة. لعل هذه الصحيفة وقد أفسحت صفحاتها لشكوى المتظلمين تستمر وتصعد النشر بتحقيقات جريئة ، ثم لا تكتفى بالنشر وإنما تنبرى لاستنفار جهات الإختصاص لتبرئة ذمتهم على أعجل ما يكون فيستقيم حال الدولة كله لتتفرغ لأولوياتها ومهدداتها بإحساس من أمن ظهره تماما . وربما أعانها على ذلك البرلمان بتبنى توصيات ورشته التى أشار إليها د . هاشم . إن المطلوب هو تحديث القوانين وتحدى عراقيل الدواوين وإبطال(عادة) الإبطاء فى تنفيذ القرارات السيادية، وتأدبا لا أقول تجاهلها.وقبل هذا وذاك كما يقول(الهاشميون) فإن المعاشيين من الحجاج يكفيهم(دعاءيوم عرفة) وكل عام وانتم بخير.