جئت للدامر من قرية البسلي نهر عطبرة لأكون طالباً بالمدرسة الأولية، ذلك في نهاية الحرب العالمية الثانية، وكانت هي المدرسة الوحيدة التي يرتادها الطلاب من القرى المجاورة، حيث لا يميل الناس للتعليم كثيراً، حيث الدعاية المنتشرة ضد المدارس وقالوا الولد البدخل المدرسة بيطلع خائس يعني (.......)، ومن الطرائف التي يحكون عنها أن عمنا عثمان ود حبيب الله طلب من ابن عمه العطا ود خير- الذي يسكن بالقرية- أن يعطيه أولاده ليتعلموا، وقال لهم العطا يعني يا عثمان داير اولادي يطلعوا خائسين ومنعه إياهم، وبمرور الزمن وبعد أن كبر أبناؤه ولم يدخلوا المدرسة قال له يا والدي ليتك تركت ابونا عثمان يدخلنا ونطلع متعلمين خائسين- حسب اعتقادك- وعبد الله هذا انتقاماً من ذلك ظل يجمع أبناء القرية ويوزعهم على مدارس نهر عطبرةوالدامر حتى تعلموا جميعاً، ولم يطلعوا خائسين، وكما قيل قديماً: العلم يرفع بيتاً لا عماد له++ والجهل يهدم بيت العز والشرف. ونعود بكم لذكرياتي في الدامر والحرب العالمية الثانية تضرب المدن بالقنابل من الجو، وكان من ضمن أهدافها مدينة عطبرة عاصمة السكة الحديد، وضربت القنابل ورشة السكة الحديد وكوبري عطبرة، الذي لم يصبه الهدف.. ونحن بمدينة الدامر المتاخمة لعطبرة حينما نسمع صوت الطيارة يأمرنا الناظر محمد ابراهيم عبد الله الدنقلاوي الملقب بي عكاريتك أن ندخل الخنادق تحت الأرض، ونجد لذة في دخول الخنادق.. حيث نشاغل بعضاً.. والدامر هذه كانت عاصمة المديرية الشمالية حتى حدود حلفا ودنقلا شمالاً. ومن الجنوب حدود مديرية الخرطوم، وكان الحاكم هو مدير المديرية الانجليزي، وتحته مفتشو المراكز الستة، وهذه الدامر هي مقر السادة المجاذيب أهل خلاوي القرآن وأهل البروف الراحل عبد الله الطيب وقد شهدت الدكتور عبد الله الطيب، وهو طالب حينما يأتي في الاجازة يجلس مع العوام والعتالة على قوز الرملة، يستمع الى شعرهم، وتجده يقف في حلقة الذكر، ثم وجدت الناس في البندر يبيعون الأكل والشاي والجبنة، وكان عجبي في ذلك، ووجدت (الكساريات) ستات الكسرة يبعن الكسرة بي ملاح الويكة أو الخضرة، ويجلس الذين يأكلون على الأرض والقدح كلو بواحد قرش، ووجدت الرجل الوحيد الذي يبيع الصعوط ود عماري هو الشيخ هارون عثمان اغا من أعيان البلد، وصار من الأغنياء وكان بالدامر مجموعة من الهنود تجار يبيعون الأقمشة والشاي، واذكر منهم هريداس وواحد اسمه بورسودان، وكان بالدامر أكبر سوق للمواشي والحيوانات يرتاده الناس من كل أنحاء السودان وكان الهجانة المصريون يأتون لشراء الجمال من سوق الدامر والسوق هذا كان يعمر يوم السبت والأحد، والى الآن وفي الدامر وجدت العلامة الشيخ مجذوب جلال والد الشاعر محمد المعهدي المجذوب، ووجدت عميد المجاذيب الشيخ البشير جلال الدين ووجدت خلوة الشيخ محمد الأمين عبد الله النقر يديرها شيخ الحيران محمد الطاهر الذي كتب عنه البروف عبد الله الطيب في كتابه الشهير «نار المجاذيب»، وشهدت شيخنا محمد الأمين ذلك الشيخ الورع ووجدت في الدامر شخصيات طريفة أمثال كمبرور، وعكاشة، وعلي البقرة، وكوكو، وسأكتب عنه لاحقاً وشكراً.