٭ الجلوس مع محبي الفنان محمود عبد العزيز له نكهته ومذاقه الذي يبعث الدفء، فمن فرط محبتهم له تجدهم يرهفون السمع للقديم الذي يعاد كأنه جديد، اعترفت لكابتن المريخ السابق أباذر شريف وهو - حواتي كبير- بأنني لم أعرف محموداً إلا بعد رحيله بفترة قليلة، لم أكن مشغولاً به وبفنه، فقد كنت غارقاً في محبات أُخر، فقال لي أباذر: هذا عمى إدراكي وتقصير يجب الإعتذار عنه على الملأ وبالصوت العالي. ٭ أسمعني أباذر عدداً كبيراً من أغنياته، وبعض حواراته التى لا تخلو من طرافة وسماحة تظهر براءة تحتفى بالآخر رغم علاته، أثناء استماعى واستمتاعي لاحظت أن لهذا الحوت طاقة غامضة فوق حدود التفسير والتأويل، ومهما سعت المخيلة لأن تنشط وتضع تفسيراً لحالة محمود، فلن تصل إلى نتائج سوى أنه غني عن كل الدلالات، وفوق مستوى تصور العقل البسيط، لذا كان مزيجاً من بساطة وتعقيد، وهذا ما منحه حباً كفيلا بأن يجعله متربعاً على عرش الغناء أطول فترة ممكنة، الجماليات البالغة التنوع عند محمود جعلته انساناً بامتياز، وفناناً له الاستعداد على أن يتحرر من النقد التقليدي، لأنه كائن الحريات المتجاوز لتخوم الوصف والتوقع، بعد كل هذه الفترة أدركت أن الشعب السوداني لا يمنح حبه من فراغ، فهو ناقد عظيم متفوق على أنظمة النقد الأدبي والفني، لذا وصلت إلى يقين مفاده الرجوع إلى حكم الجماهير في حال أردنا قياس أي حالة.