سألني صديقي الهولندي يوما ماأمنيتك في الحياة، فقلت بيت وسيارة وحياة كريمة ، فضحك وقال لي أنا لم أسألك عن حقوقك في الحياة وإنما أمنيتك. عندماعدت من الإغتراب في السادس من أكتوبر عام 2004م ، كنت قد أعلنت الطلاق للغربة وآلامها، وظننت وليس كل الظن إثم أن التفكير في الخروج ومفارقة الأوطان مرة أخرى هو ضرب من المستحيل ، والآن وبعد أكثر من عقد من الزمان ، وبعد أن وخط الشيب الرأس، أجد نفسي ساعيا وبأعنف مما كان يوم أن غادرت وطني لاول مرة يوم الثلاثاء الثالث من أكتوبرعام 1989م. أكثر من إثني عشر عاما وأنا احاول أن أتأقلم علي الأوضاع التي تزداد صعوبة كل يوم، عملت لأكثر من ستة عشر ساعة في اليوم ، لأستطيع أن أمنح أسرتي الحياة الكريمة، كنت أبرمج نفسي كل عام مع الميزانية الجديدة للدولة التي تزداد فيها الضرائب ويهبط فيها سعر الجنيه الوطني ، وتتأثر لذلك حياتنا كلها، ولكن كانت تجدد المآسي كل عام. وبعد ان كانت حياتنا تتأثر بداية كل عام ، ونتخبط شهورا حتى نستطيع التأقلم ، أصبحت الأسعار تزيد في العام مرتين ، ثم تعددت الزيادات. الى أن طفح الكيل ، ولم نعد نستطيع الايغاء بمتطلبات أطفالنا، ولاول مرة في التأريخ لايكون الإغتراب من أجل الغنى ، بل من أجل توفير أساسيات الحياة ، وما أتعسه من أمر. الآن أعد العدة لخروج أظنه نهائي ، فبعد هذه السن لاأعتقد أنه قد تبقى من العمر بقية ، لأن أعود يوما، سأفتقد الكثيرين ، ولكني حقيقة أفتقدهم منذ زمان وأنا بينهم ، فلم أعد أرى أهلي إلا في المناسبات العائلية وأكثرها أحزان، وباتت الزيارت من النوادر ، حتى الإتصالات الهاتفية لم نعد نجد لها وقتا . حقيقة أعيش غربة حقيقة في وطني ، ويعيشها الكثيرون، فقدنا العلاقات الاجتماعية الحلوة، طرينا جلسات العصاري، لم تعد بيننا وأطفالنا لحظات للمعرفة الحقيقة، فقدنا التواصل مع الجيران ، لاأذكر متى زرت ناديا رياضيا، ولم أعد استمتع بالندوات وجلسات الأدب والشعر التي كم متعنا بها أنفسنا، ورحم الله العزيزة ليلى المغربي ، وحفظ بكرمه مجموعة الأدباء الذين كنت أستمتع بمنتدياتهم ، بروفسور عوض إبراهيم عوض واللواء أبو قرون عبدالله أبوقرون ويحيى أدروب وسيف الجامعة. في ظل هذا الوجع تدهشني شمبات ، الوطن المعلم بأهلها الذين لم تهدهم الظروف وماهزتهم محنة ، يدهشونني دوما بتكاتفهم ، وعظمة أفكارهم ، وجليل أعمالهم وهم ، ينسابون كالأنسام عبر تجمعهم الفريد (غرفة طوارئ شمبات) هذا الجسم الإنساني العجيب، فهم يتجمعون في كل جمعة وسبت ، ينظفون الأحياء يقدمون الدواء ، يزيلون المياه الراكدة ، يصلحون (المواسير المكسرة)، يحفرون المصارف ، والآن باتوا يعملون على مدار الأسبوع ، التحية لهم جميعا وهم يقومون بكل هذه الاعمال الجليلة، والدعوة للجميع لنفير يوم السبت القادم لإكمال مابدوه بعد التجمع غرب مدرسة حسن عبدالقادر، وأخص بعضهم بالتحية مرزوق عبدالرحمن د/ سعد انعام هاشم، اعتماد خورشيد،خالدبخيت وسولارا ، عادل الحاج ، استاذ ياسر فاطمة اونسة وصال ، عبدالرحمن إبراهيم عمار عبدالكافي،..والعشرات ممالايسع المجال لذكرهم وشكرهم . كل املى ان يجدوا الدعم والمتابعة من جميع أهلنا بشمبات ...ألا هل بلغت ..اللهم فاشهد.