٭ كأنهما على موعد مع الرحيل سوياً هو وشيخه حسن عبد الله الترابي، وكما يقولون إن الأرواح المتحابة لم يفصلها عن الرحيل إلا أيام معدودات من عمر الزمان، وقد كان الشيخ الترابي رئيساً للحركة الإسلامية، وكان عبد الله أحد نوابه الأبرار، وكان منذ نشأته إسلامياً ملتزماً.. وذا بسمة برَّاقة في أحلك الظروف، حببت إليه الناس وذا خلق قويم، وكان ميلاده بقرية الحصاية تقع جنوب مدينة الدامر كان ميلاده 1937م وتلقى تعليمه الأولي بمدرسة العالياب الأولية، ثم الأوسط والثانوي وتخرج في الجامعة خبيراً جيولوجياً بمصادر المياه، التي جعل الله منها كل شيء حي ،وأكرمه الله أن يشرب العطشان على يديه الماء، وعمل مديراً لبنوك المال، ومحافظاً ثم وزيراً، وفي كل موقع يحتله كان هو عبد الله المتواضع الناسك والعابد، لم يغيره بريق الكرسي أو المنصب، وحينما كان الوزراء يقف على أبوابهم الحراس بالسلاح كان بابه مفتوحاً، وكنا حين نأتي إليه من الدامر ومن الأهل لقضاء حوائجنا لا نجد حرساً يمنع الدخول على معالي الوزير، الذي هو عبد الله ود حسن أحمد السعدينابي من عيال شاع الدين، وهو فرع من الجعليين وعرف كأهله بالكرم الفياض.. هذا هو عبد الله ود حسن أحمد الذي رحل لتلك الدار الآخرة التي لا ترقى اليها الأباطيل، وأظنه واثقاً من أنه ذهب لتلك الدار وهو يحمل زاده من التقوى والإيمان والتوحيد، وقد كان كغيره من الذين يتطلعون للبرلمان ليكون وسيلة لخدمة العباد والبلاد، وهذا دفعه الى أن يأتي الينا ليترشح في دائرة الدامر الجغرافية، ليكون مرشحاً ينال ثقة الشعب.. وكان البرلمان في ذلك الزمان واحداً وهو مركزي في الخرطوم.. وكنا نطلع المنصة لندعو له شعراً ونثراً، وحينما يطلع المنصة ليتحدث كمرشح والناس يتطلعون لقوله يخاطبهم قائلاً : يا أهلنا إذا رأيتم عندي الصلاحية أرغب أصواتكم، وإن رأيتم غيري أصلح أنتم أحرار، وأجدني احترم رأيكم، وكنا نريده أن يتحدث أكثر ليقول كغيره من المرشحين سأتيكم بما لم تستطعه الأوائل.. وكان يرفض مثل هذا ويكتفي قائلاً: خير الكلام ما قل ودل.. وبهذا الاسلوب وبمكانته، وهو الرائد الذي لا يكذب أهله قد فاز وحاز أغلبية الأصوات ، ولكن حينما فاز لم يبطره النصر ليدق نحاس أهله ليعرض فيه أو يبرج، بل خطب فينا قائلاً: فقط ارجو دعواتكم ليوفقني الله أن أكون خادماً لكم .. سيداتي سادتي.. هذا هو عبد الله حسن أحمد الذي فقدناه كسنة الحياة والموت حق على الرقاب.. وكان لازمه المرض العضال زمناً طويلاً، ولزم الفراش وذهب كالعادة لبلاد الخارج طلباً للشفاء، ولكن المرض تمكن منه، وكان صابراً مؤمناً بقضاء الله سبحانه وتعالى، وقد كانت في هذا اليوم وفود المعزين من كل العاصمة المثلثة، ومن دامر المجذوب وأهله بقرى شمال الدامر، لقد كان حشداً كبيراً امتلأت الشوارع وضاقت الأرض بما رحبت، كلهم يبكونه ومتأثرون لفراقه، ولكن الكل في صبر وثبات لأن الإيمان حظهم .. وهكذا من هنا نعزي أهله وأسرته وقبيلته، ونعزي أصحابه رجال الحركة الإسلامية سائلين الله له الرحمة والمغفرة وكما قلت شعراً زمان: كسارة خواطر يا عكير خربانة ٭ نبني عليها دايماً وتهدم بنيانه بيوت العنقريب يفرق على الجبانه ٭ زي خبت السلم ساعة تقوم هازانه ننظر في المقابر ونحن ما همانا ٭ لامن في اللحد في لحظة يبقى غطانا ٭ وداعاً عبد الله حسن أحمد الى جنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين، وسلام عليك وعلى شيخنا الترابي، وقد كان رحيلكم سوياً متقارباً ، لأن النفوس متحابة.. الى أخوته جميعاً والى ابنائه البررة والى آل المقلي جميعاً.. أسوق عزائي وأهلنا بقرية البسلي، وكل أهل نهر عطبرة وكلنا على هذا الدرب سائرون.. رحم الله عبد الله وأسكنه فسيح جناته مع الصديقين والشهداء انه سميع مجيب آمين..