التشكيلي العراقي سعدي الكعبي يحل ضيفا على (صالة رفيا للفنون التشكيلية)بدمشق الذي قدم مجموعة من اللوحات التصويرية بأحجامها المتوسطة التي تم إنتاجها خلال الأعوام القليلة الماضية، بالاعتماد على الألوان ذات الوسائط الزيتية والمشغول معظمها على القماش والبعض منها على ألواح صلبة، حيث تنوعت التصميمات التي شكلت مواضيع اللوحات بشكل كبير وباتزانها أغنت الأعمال ومنحتها رصانة وحضوراً وحركية من شأنها الجذب والتشويق في هذه الأعمال المهمة التي تشكل جسراً بين حضارات خبت وواقع مؤلم وذلك عبرتطلعات جمالية لعالم متخيل انطلاقاً من هذه المكاشفة، وكان الحامل لمجموع التأثيرات الفنية المختلفة يظهر بحساسية سطحه وتفاصيلها الدقيقة وذلك نتيجة فرش اللون بطريقة تجعله شفافاً وذلك سعياً لإظهار العديد من المستويات المتقاطعة فيما بينهما مايعني تداخلات متعددة لها دلالاتها التعبيرية التي يستهدف بها التشكيلي سعدي الكعبي متلقيه من خلال مضامين إنسانية تشكل تضاريسها العميقة غاية هذا الفنان، من هنا يمكن لنا أن ندرك مدى أهمية الشفافيات اللونية في العمل الذي تطفو على لغته التعبيرية هواجس المكاشفة والتعبيرية لما يتم حجبه من أزمات معاصرة، ولاسيما أن المجتمع العربي يعاني مايعانيه من سطوة هذا الزمن القاسية، ويضاف لذلك رغبة هذا الفنان في واقع آخر فيه من الجمالية بقدر حساسية هذا الاشتغال الفني عن التراث الأصيل،وفيما يخص المعالجة التقنية نستطيع القول إن التشكيلي العراقي سعدي الكعبي حقق المزيد من النتائج الفنية المؤدية إلى التأثير الجمالي الممتع، حيث يمنح لوحته المزيد من العمل وفق مراحل متعددة مترابطة لكل منها غايتها بدءاً من التفكير الأوّلي ووضع اللمسات الأولى، فالخط لديه تنوع في الماهية حيث يتراوح بين مايشكل حيزاً فراغياً بسماكته فتتحسس كمتلقي ظلاله وبين ما يقتصر على اللون، وهذا الخط يشكل أساساً في التأليف الشكلي لعموم التصميم، أما اللون فهو بين خيار التسطح وآخر متعلق بالتحجيم يشارك في إبراز التأثير بسمته الغائرة، ولهذا اللون حيويته وهدوءه على الرغم من القيم المتقاربة من الألوان في الوقت الذي ينأى به الفنان عن الاستقالة من أجواء التضاد اللوني التي برزت في أشكال عدة عبر تسرب العتمة إلى اللوحة من جهة ما، أو عبر الخط الذي يحدد العناصر، أو من خلال انتقاء ألوان معينة متجاورة تحدد العناصر وفي مقدمتها الشخوص التي حضرت بصياغة لاتخلو من المبالغة والتشويه الذي يخدم التعبير بصورة واضحة فهذه الصياغة متناغمة إلى حد كبير مع الخطوط العربية التي تم تنزيلها على السطح بتصرف، و يستدعي السطح التصويري للفنان الكعبي مزيداً من التأمل، حيث يقف المتفرج قبالة العمل لحظات طويلة ليجد نفسه بحاجة للاقتراب أكثر وأكثر من السطح وبعض التأثيرات البصرية اللافتة وذلك جراء إحساس هذا المتذوق -الفنان على وجه الخصوص- بتأثير غائر للخط على السطوح اللونية للوحة في أغلب الأماكن من الأعمال الفنية هذه، وفي هذا شيء من الخداع البصري الذي يجذب المتلقي بصورة أو بأخرى، وبالطبع فإن هذه المحاولة التقنية بدت ناجحة وأضافت قيمة جمالية إلى جانب الأخريات من القيم التي تكتنز بها لوحة الفنان الكعبي.