لا يمكن مناقشة الإبداع باعتباره الأمر الذي تم تبسيطه، أو النظر إلى شبكات التواصل باعتبارها انجازا تم تضخيمه. بقلم: ندى الهاشمي " أنا اللون أعيش معكم حتى في لحظات الخشوع" (مقطع من قصيدة للشاعر مصطفى سالم) *** لو قدر لي أن ابدأ قصيدة الشعر، بعد رؤية أعمال ولوحات الفنانة التشكيلية الشيخة اليازية نهيان آل نهيان، لاستهللتها بهذا المقطع الذي شعرت بانطلاقه من خلال الشكل الذي كان صوت أعماقنا وأسئلته، وكونه جزءا من هذا العالم. هكذا تبوح أعمال الشيخة اليازية بقصائد قدمتها وهي تقول لنا بشكل إبداعي أن المشاعر والأحاسيس لوحة فنية. فاللون في إحدى وظائفه هو حالة شعورنا وطريقة نطق مشاعرنا. وفي قراءة شعرية للوحات الفنانة نجد أن الطاقة البصرية تنهض من الإحساس بالحالة، وهذا يعني أن كلما كان انسجامنا اكبر وأعمق مع هذه الحالة كان اللون نصا بصريا وشعريا في نفس الوقت. ومثل هذه الأعمال تعالج مسألة الحرية من خلال الأثر على المتلقي، وتلك فسحة عريضة تسهم في صياغة الحلم الذي يفتح بابه للجميع وذلك ما نلمسه في مجمل تجربة الفنانة، وفي مشاركتها في معرض إلى جانب جماعة جدار في معرضهم التاسع في مؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافية الذي لا يزال مستمرا. الفن موقف من الحياة ذلك أمر لا شك فيه، لكن هذا الموقف يُصنع عبر الفنان والمتلقي معا ، فإن كان الأول مبدعا، فإن هذا الموقف لا يتبلور دون أن يكون المتلقي منفتحا على إبداع الأثر الناهض من بدء علاقته مع العمل الفني. فتعددية الأثر في العمل الفني دوما هي أوسع من صناعته، وذلك ما يجعل كل إبداع مساهمة في الحياة. هذه الفلسفة هي رؤية الفنانة اليازية من خلال أعمالها، وذلك ما يجعل الفن رسالة تمس الإنسانية والقيم. وفي قراءة – على سبيل المثال – لإحدى لوحات الفنانة وهي لوحة المشهد الأخير 3 ومع استدراج الصورة السينمائية لتكون جزءا من رسالة اللوحة نكتشف إن سعة العالم لدى الفنان لا تتعلق بالجغرافية ولا بالشكل الفني، بل بوعي كبير في رسالته إلى هذا العالم. إن إعادة إحياء اللغة القديمة - الهيروغليفية مثلا - في الرموز الحديثة ومنها التي ظهرت في شبكات التواصل الاجتماعي أمر لم يستقر النظر إليه من وجهة نظر الفن، لكن الجراءة في اقتحامه ينسجم مع فلسفة الفنانة إذ الإبداع هو العمل الفني الخارج عن المألوف. في مثل هذه التجربة، لا يمكن مناقشة الإبداع باعتباره الأمر الذي تم تبسيطه، أو النظر إلى شبكات التواصل باعتبارها انجازا تم تضخيمه، فالمنجز الفني هنا ينسجم مع إنسانيته التي تعني أن كل مساحة في هذا العالم وحتى الافتراضية منها فسحة لإطلاق جناح الفن ورسالته وبالتالي نشر الجمال والإبداع. وإنسانية العمل الفني لدى الفنانة اليازية - وبقدر تأكيدها أن لا لوحة بدون فنان - ينسجم مع كل حالات الإنسان، فاللحظة الجمالية وهي دوما متفاوتة من شخص إلى شخص لا تصنع بدون إبداع، وبالتأكيد هي جزء من هدف الفن والفنان. يذكر أن الشيخة اليازية بنت نهيان بن مبارك آل نهيان سبق أن شاركت بلوحتي "الظهر" و"العشاء" في فعاليات الدورة الرابعة من معرض "فن أبوظبي"، التي نظمتها هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة في جزيرة السعديات؟ وترمز اللوحتان "الظهر" و"العشاء" ذاتا الطابع التجريدي إلى الطاقة الروحانية المتدفقة من أثر السجود في الصلاة، حيث عبرت الشيخة اليازية بألوان وتفاصيل متباينة عن مكنونات هذه الطاقة، وتركت للمتلقي الحرية في قراءتها وتحليلها. ويعد هذان العملان جزءاً من المجموعة الجديدة التي أنجزتها الشيخة اليازية مؤخراً وتعكس مفاهيم فلسفية عن الفن والحياة. وتقدم الشيخة اليازية بنت نهيان آل نهيان مدخلا جديدا للفن الكلاسيكي في لوحاتها للخروج بلمسات فنية جديدة غير تقليدية حيث جسدت عددا من لوحاتها مواضيع تعكس اهتمامها بتاريخ العالم بشكل عام وتاريخ دولة الإمارات وتراثها بشكل خاص مستخدمة مواد وخامات من البيئة الإماراتية لنقل رسائلها وأفكارها التعبيرية ويعد العمق الفني السمة الرئيسة لرسوماتها.