كان التكليف الأول لتشارلز جورج غردون من قبل الجمعية الملكية الجغرافية، أن يذهب في رحلة للبحث عن منابع النيل على امتداد مجراه، لكنه وصل الى مدينة (غوندكرو) في جنوب السودان، وعاد ليصبح فيما بعد الجنرال غردون الذي ملأت شهرته الآفاق.. بينما نحن في الطريق من مدينة (قوندر) تعطل البص الذي كان يحملنا قادمين فيرحلتنا من الخرطوم الى منابع النيل.. واستبدلناه بحافلة نقل عام قطعنا بها أكثر من 150 كيلومتر في طريق كله خضرة تغطي الجبال التي تمر مر السحاب، وصلنا الى مبتغانا مدينة (بحردار)، وهي تعيد ترتيب نفسها بعد انقضاء قمة الرؤساء الأفارقة للأمن، التي كانت منعقدة في عاصمة اقليم الأمهرا، أحسن منظمو رحلتنا استقبالنا في فندق Banemas ، وبعد أن أكرموا وفادتنا انطلقنا قبل مغيب الشمس الى مبنى النصب التذكاري لشهداء حرب التحرير، شهدنا صورة مغادرة الامبراطور هيلاسلاسي لقصر الحكم عبر سيارة (فلوكسجن) بيضاء الى السجن، وشهدنا فذلكة تاريخية للمراحل التي مر بها الشعب الاثيوبي، فبعد ذهاب الامبراطور حكم منقستو هايلي ماريام بقبضة من حديد ثم الجبهة الشعبية للتحرير، التي وصلت الى الحكم في 1991 منهية حكم منقستو، وواضعة اثيوبيا في طريق التنمية مستلهمة من الماضي القريب معاناتهم من أجل الديمقراطية التي سقوها بدماء الشهداء.. في يومنا الثاني انطلقنا بعد شروق الشمس الى (بحيرة تانا)، استقلنا يخت ومخر بنا عباب البحيرة التي ينبع منها النيل الأزرق الأخ الأكبر في تكوين نهر النيل سليل الفراديس، البحيرة تبلغ مساحتها أكثر من 2156كيلومتر، بها عدد من الجزر لكن أشهرهم جزيرتين أحدهم تخص الرهبان الرجال، والأخرى للرهبان النساء، ولا يسمح لأحد بدخولهم يعيشون في عزلة عن العالم، ومنقطعون عن كل وسائل الاتصال يأكلوا مما يزرعون، وهناك أحد الرهبان مسؤول عن احضار احتياجاتهم عبر قارب من البردي، وهناك جزيرة أخرى تضم رفات الأباطرة السابقين ومقتنيات الكنيسة الثمينة، على الناحية الشمالية من البحيرة تجد المخرج الذي ينطلق منه النيل الأزرق، وعلى بعد 9كيلومترات ينطلق النيل الى شلالاته المعروفة، ليسقط بقوة حاملاً الخير والنماء لسكان حوضه في اثيوبيا والسودان ومصر..عقب جولتنا في البحيرة اتجهنا الى سوق المدينة الذي لا يختلف عن الأسواق الشعبية في مدننا المختلفة، ربما استهواك شراء العسل الأبيض أو البن الحبشي أو الشطة الحبشية الحراقة، وقد يدهشك عدد الديوك التي يتم تداولها في هذا السوق، سألنا فعلمنا أنه أحد الأعياد الدينية، مساءً شاهدنا أحد العروض الفلكولورية، وطبعاً لم يغب (محمد وردي) عن حناجرهم.. نحن السودانيين محل ترحاب وود ملحوظ من قبل الاثيوبيين في كل مكان تذهب اليه تجد قلوبهم تصافحك قبل أيديهم، مما يضطرهم للأنحناء قليلاً بسبب كبر قلوبهم، فتميل بهم نحوك.. المؤكد أن اثيوبيا عامةً واقليم الأمهرة خاصة وعبر سفارتهم النشطة في الخرطوم قرروا أن يجعلوا السودانيين يتجهون شرقاً نحو اقليم الأمهرة، حيث المدن النظيفة والطرق المعبدة والمعالم التاريخية والسياحية.