عندما يشتد الظلام وتستفحل الظلمة يتحول القلم طيراً محشوراً في زوايا الخيارات الضيقة... فإما أن يحترق سكنى الأوكار فينطوي على وجعه ويتألم بصمت، لاجئاً إلى رمزية من هنا واستعارة من هناك.. وإما أن يفرغ إلى الهجرة باحثاً عن هواء آخر يمكن أن ينعش الرئتين، وما تبقى من خلايا لم يتمكن القمع من القضاء عليها.. وإما أن يساير التيار فيغدو طائراً مبحوح الصوت مخنوقاً.. وهل يبقي الطير طيراً إذا صار صوته حشرجة ليس إلا. مشكلة الأقلام في بلادي في معظمها على الأقل، إنها ارتضت البحة صوتاً لها، وأدهى مافي الأمر أنها حولت تلك البحة فلسفة، لها نظرياتها ومريدوها، وهذا ما يفسر ندرة التمايز في نتاج كتابنا، أما الذين اختاروا الأوكار فهم طيور أقرب ما تكون إلى الدجاج.. لها أجنحة ولكنها تبقى لصيقة الأرض تسف من ترابها وتشرب المطر، كما يقول بدر شاكر السياب!! وحدها الطيور المهاجرة تحمل الأمل، أو بعضاً من بريقه، والتجارب العربية في هذا المجال معبرة، ولا موجب لضرب الأمثلة، لأن كل من تابع الثقافة العربية منذ زمن المتنبي إلى اليوم، يدرك كم هي قيمة وجذابة طيور الكتابة المهاجرة، ربما يكون الثمن باهظاً في بعض الأحيان، إذ يتحول إدمان المهاجرة إلى غربة عن الجذور وأحياناًعن الذات، والتغريب موجود في صفوف تلك الطيور ولا تفيد المكابرة في إنكاره. ليت هجرة الأقلام تكون طوعية وليست إضطرارية، حينها تكون تلقيحاً وتمازجاً حضارياً مباركاً، أما بلداننا في كأس مُرة يتجرعها كثيرون، لا سيما أولئك الذين لا يطيقون قدر الأوكار ومصير قاطنيها، إنما يطمحون إلى فضاء النسور المفتوح على كل أفق ومدى. ترى إلى هذه المعادلة التي تقوم على الخيار الحاسم بين الأوكار والنسور، علها تضيء الطريق وتسهل الخيارات.