قبيل أيام طالعتنا الصحف السيارة بخبر أليم مفاده.. وفاة أم «حبلى» واثنين من أطفالها جراء حادث حركة محزن بشارع الأسفلت الدائري بشرق النيل.. وأكد كل من شاهد الحادث بمدى بشاعته ومرارته، ولا أدل على ذلك من نتيجته، وهو الموت لكل الأسرة، ورغم مرارة الفقد وبشاعة المآل وعظم الفجيعة، فقد تسامى زوج المتوفاة «سوسن تاج السر» ووالد الأبناء الثلاثة السيد جمال الدين النويري فوق جراحه.. وتطاول على أحزانه.. ابتلع غصصه ودفن مأساته وعفا عمن تسبب في الحادث في بطولة نادرة وقلب كبير.. ورحمة مرتجاة.. أكبر من لذة الانتقام الآني.. ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل عفا والد المتوفاة أيضاً السيد تاج السر الخير.. وقالا بلسان واحد «عفونا لوجه الله والرسول»...فُطر الإنسان وهو يحب ذاته.. ولا يتحمل الألم أو الجراح.. ويتضجر بالشكوى حتى ولو كان ما أصابه من الله ناهيك عن البشر الذين يسببون الأذية لبعضهم البعض بقصد أو بدونه.. وما من أ ذية أكبر من الموت.. وفقد الأحباب.. فكل أنواع الأذى لا يحتملها الإنسان، وكلما أحس بالمرارة والغبن.. كانت رغبته في الانتقام ورد مظلمته أكبر.. علها تشفي أنين جراحه وتسكت صراخات كرامته.. وكلما كان فقده أكبر، وأحس بأن من سبب الأذية فعلها عامداً.. كانت دوافعه أكبر ليذيق من أذاقه علقم الأذى ويجرعه مرارة الألم لينتصر لذاته ويرد اعتباره وتشفى جراحه !!... والحق فإن الله تعالى عادل حكيم أعلم بالنفس البشرية وأسرارها، لذا جعل في القصاص حياة وجعل العين بالعين والسن بالسن والبادئ هو الظالم وعليه يجب أن تدور الدوائر... لكنه أيضا برحمته كيف أنه يتجاوز عنها.. لنتجاوز عن الناس.. وكيف يسترنا لنستر الناس.. وكيف يعفو عنا لنعفو عن الناس.إن الصفح والعفو شيمة من شيم الكرام وفضيلة لا يلقاها إلا ذو حظٍ عظيم.. تحتاج للترفع عن الدنيا وعن الأذى.. والاحتساب إلى الله سبحانه وتعالى.. تحتاج لإيمان ومعرفة ولكظم الغيظ وترك التشفي وتعاطف الناس.. تحتاج لقوة وعزم.. لأنها تبلغ من يفعلها درجة المحسنين..قال تعالى: «خذ العفو وامر بالعرف وأعرض عن الجاهلين»، وقال مجاهد: «إذا أردت أقرب الطرق إلى الجنة.. فاقبل الأعذار واسلك طريق العفو والمساهلة.. واترك الاستقصاء فيما فعله بك الظالمون.. اصبر عليهم.. واعف عن النقائص والأخطاء حال قدرتك على رد مظلمتك..» ü زاوية أخيرة: قال صلى الله عليه وسلم: حوسب رجل ممن كان قبلكم فلم يوجد له من الخير شيء قط، إلا أنه كان يعفو عن الناس... وكان مؤسراً يأمر غلمانه أن يتجاوزوا عن المعسرين، قال صلى الله عليه وسلم: قال تعالى «أنا أحق بذلك منه».. فعفى عنه وتجاوز عنه.